فإن المعنى يداك يدان بدلالة قوله إحداهما. وفي الكشاف أيضا من بدع التفاسير أن الرهب الكم بلغة حمير وأنهم يقولون: أعطني ما في رهبك، وليت شعري كيف صحته في اللغة وهل سمع من الأثبات الثقات التي ترضى عربيتهم؟ ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل؟ على أن موسى عليه السلام ما كان عليه ليلة المناجاة إلا زرمانقة من صوف لا كمين لها اهـ. وما أشار إليه من أن ذاك لا يطابق بلاغة التنزيل مما لا ريب فيه فإن الذاهبين إليه قالوا: المعنى عليه واضمم إليك يدك مخرجة من الكم لأن يده كانت في الكم وهو معنى كما ترى ولفظه أقصر منه في الإفادة. وأما أمر سماعه عن الأثبات فقد تعقبه في البحر بأنه مروي عن الأصمعي وهو ثقة ثبت. وقال الطيبي: قال محيي السنة: قال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب يقول: أعطني ما في رهبك أي ما في كمك، وزعم بعضهم أن استعمال الرهب في الكم لغة بني حنيفة أيضا وهو عندهم وكذا عند حمير بفتح الراء والهاء والحزم عندي عدم الجزم بثبوت هذه اللغة. وعلى تقدير الثبوت لا ينبغي حمل ما في التنزيل الكريم عليها. والظاهر أن من الرهب متعلق باضمم وقال أبو البقاء: هو متعلق بولي، وقيل بمدبرا، وقيل بمحذوف: أي تسكن من الرهب، وقيل باضمم، ولا يخفى ما في تعلقه بسوى اضمم وإن أشار إلى تعلقه بولي أو مدبرا كلام ابن جريج على ما أخرجه عنه ابن المنذر حيث جعل الآية من التقديم والتأخير. والمراد ولى مدبرا من الرهب وقرأ الحرميان: «من الرّهب» بفتح الراء والهاء، وأكثر السبعة بضم الراء وإسكان الهاء وقرأ قتادة، والحسن، وعيسى، والجحدري بضمهما والكل لغات فَذانِكَ أي العصا واليد والتذكير لمراعاة الخبر وهو قوله تعالى: بُرْهانانِ وقيل: الإشارة إلى انقلاب العصا حية بعد إلقائها وخروج اليد بيضاء بعد إدخالها في الجيب فأمر التذكير ظاهر، والبرهان الحجة النيرة وهو فعلان لقولهم: أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من بره الرجل إذا ابيض ويقال للمرأة البيضاء: برهاء وبرهرهة.
وقال بعضهم: هو فعلان من البرة بمعنى القطع فيفسر بالحجة القاطعة، وقيل: هو فعلان لقولهم برهن ونقل عن الأكثر أن برهن مولد بنوه من لفظ البرهان، وقرأ أبو عمرو وابن كثير «فذانّك» بتشديد النون وهي لغة فيه، فقيل: إنه عوض من الألف المحذوفة من ذا حال التثنية لألفها نون وأدغمت، وقال المبرد: إنه بدل من لام ذلك كأنهم أدخلوها بعد نون التثنية، ثم قلبت اللام نونا لقرب المخرج وأدغمت وكان القياس قلب الأولى لكنه حوفظ على علامة التثنية، وقرأ ابن مسعود وعيسى وأبو نوفل وابن هرمز وشبل. «فذانيك» بياء بعد النون المكسورة وهي لغة هذيل، وقيل: بل لغة تميم، ورواها شبل عن ابن كثير، وعنه أيضا «فذانيك» بفتح النون قبل الياء على لغة من فتح نون التثنية نحو قوله:

على أحوذيين استقلت عشية فما هي إلا لمحة وتغيب
وعن ابن مسعود أنه قرأ بتشديد النون مكسورة بعدها ياء، قيل وهي لغة هذيل، وقال المهدوي: بل لغتهم تخفيفها ومِنْ في قوله تعالى: مِنْ رَبِّكَ متعلق بمحذوف هو صفة لبرهانان أي كائنان من ربك وإِلى في قوله سبحانه: إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ متعلق بمحذوف أيضا هو على ما يقتضيه ظاهر كلام بعضهم صفة بعد صفة له أي واصلان إليهم، وعلى ما يقتضيه ظاهر كلام آخرين حال منه أي مرسلا أنت بهما إليهم.
وفي البحر أنه متعلق بمحذوف دل عليه المعنى تقديره اذهب إلى فرعون إِنَّهُمْ أي فرعون وملأه كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ أي خارجين عن حدود الظلم والعدوان فكانوا أحقاء بأن نرسلك بهاتين المعجزتين الباهرتين إليهم، والكلام في كانوا يعلم مما تقدم في نظائره قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ لذلك أَنْ يَقْتُلُونِ بمقابلتها، والمراد بهذا الخبر طلب الحفظ والتأييد لإبلاغ الرسالة على أكمل وجه لا الاستعفاء من الإرسال، وزعمت اليهود أنه عليه السلام استعفى ربه سبحانه من ذلك. وفي التوراة التي بأيديهم اليوم أنه قال يا رب ابعث من أنت باعثه


الصفحة التالية
Icon