سورة العنكبوت
أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بمكة، وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير نحو ذلك، وروي القول بأنها مكية عن الحسن وجابر وعكرمة وعن بعضهم أنها آخر ما نزل بمكة. وفي البحر عن الحبر وقتادة أنها مدنية وقال يحيى بن سلام: هي مكية إلا من أولها إلى قوله: وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ [العنكبوت: ١١] وذكر ذلك الجلال السيوطي في الإتقان ولم يعزه، وأنه لما أخرجه ابن جرير في سبب نزولها ثم قال: قلت ويضم إلى ذلك وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ [العنكبوت: ٦٠] الآية لما أخرجه ابن أبي حاتم في سبب نزولها وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك وهي تسع وستون آية بالإجماع كما قال الداني والطبرسي، وذكر الجلال في وجه اتصالها بما قبلها أنه تعالى أخبر في أول السورة السابقة عن فرعون أنه عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ [القصص: ٤] وافتتح هذه بذكر المؤمنين الذين فتنهم الكفار وعذبوهم على الإيمان بعذاب دون ما عذب به فرعون بني إسرائيل بكثير تسلية لهم بما وقع لمن قبلهم وحثا على الصبر، ولذا قيل هنا: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت: ٣] وأيضا لما كان في خاتمة الأولى الإشارة إلى هجرة النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم أي في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: ٨٥] على بعض الأقوال، وفي خاتمة هذه الإشارة إلى هجرة المؤمنين بقوله تعالى: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
[العنكبوت: ٥٦] ناسب تتاليهما.