قوله تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: ٧١]، وقرأ سميط بن عجلان وابن أبي عمار وابن السميقع «حادرون» بالألف والدال المهملة من قولهم: عين حدرة أي عظيمة وفلان حادر أي متورم. قال ابن عطية: والمعنى ممتلئون غيظا وأنفة. وقال ابن خالويه: الحادر السمين القوي الشديد والمعنى أقوياء أشداء. ومنه قول الشاعر:
أحب الصبي السوء من أجل أمه | وأبغضه من بغضها وهو حادر |
وتعقب بأن الإخراج قبل الانطماس إذ من جملة الأموال الظاهرة الجنات والإخبار عنهم بأنهم أخرجوا منها بعنوان كونها جنات والأصل فيه الحقيقة. وعلى تقدير تسليم أنه بعد يرد أن المدمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وهو مفسر بالقصور والعمارات والجنان فيبقى ما سوى ذلك غير محكوم عليه بالتدمير من الأموال الظاهرة مع أنهم أخرجوا منه أيضا فيحتاج توجيه عدم التعرض له بغير ما ذكر.
وقيل: المراد بالكنوز أموالهم الباطنة والظاهرة وأطلق عليها ذلك لأنها لم ينفق منها في طاعة الله تعالى، ونقل ذلك عن مجاهد والأول أوفق باللغة. وأكثر جهلة أهل مصر يزعمون أن هذه الكنوز في المقطم من أرض مصر وأنها موجودة إلى الآن وقد بذلوا على إخراجها أموالا كثيرة لشياطين المغاربة وغيرهم فلم يظفروا إلا بالتراب أو حجر الكذان، وقال ابن جبير: المراد بالعيون عيون الذهب وهو خلاف المتبادر، ومثله ما قاله الضحاك من أن المراد بالكنوز الأنهار وَمَقامٍ كَرِيمٍ هي المساكن الحسان كما قال النقاش، وعن ابن لهيعة أنها كانت بالفيوم من أرض مصر، وقيل: مجالس الأمراء والأشراف والحكام التي تحفها الأتباع، وقيل: الأسرة في الكال، وحكى الماوردي أنها مرابط الخيل، وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك أنها المنابر للخطباء. وقرأ قتادة والأعرج «ومقام» بضم الميم من أقام كَذلِكَ إما في موضع نصب على أن يكون صفة لمصدر مقدر أي إخراجا مثل ذلك الإخراج أخرجنا، والإشارة إلى مصدر الفعل أو في موضع جر على أن يكون صفة لمقام أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، وعلى الوجهين لا يرد أنه يلزم تشبيه الشيء بنفسه كما زعم أبو حيان لما مر تحقيقه أو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك، والمراد تقرير الأمر وتحقيقه. واختار هذا الطيبي فقال: هو أقوى الوجوه ليكون قوله تعالى:
وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ أي ملكناها لهم تمليك الإرث عطفا عليه، والجملتان معترضتان بين المعطوف عليه وهو فَأَخْرَجْناهُمْ والمعطوف وهو قوله تعالى: فَأَتْبَعُوهُمْ لأن الاتباع عقب الإخراج لا الإيراث.
قال الواحدي: إن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه فأعطاهم جميع ما كان لقوم فرعون من الأموال والعقار والمساكن، وعلى غير هذا الوجه يكون (أورثنا) عطفا على (أخرجنا) ولا بد من تقدير نحو فأردنا إخراجهم وإيراث بني إسرائيل ديارهم فخرجوا وأتبعوهم انتهى، ويفهم من كلام بعضهم أن جملة