احتمال كون الانكشاف بين الفرق الأول والبحر الباقي على حاله من جهة فرعون، وبالجملة احتمال انفصال الفرقين الأول والأخير وكون الانكشاف بين الأول والبحر مما يلي فرعون دون الأخير والبحر مما يلي الجانب الآخر واتحاد المسالك والفروق في كون كل اثني عشر هو الأقرب للوقوع اه.
ولا يخفى أنه يلزم عليه أن لا يكون جميع المسالك في خلال الفروق فإن لم يتعين القول بكون جميعها فيه إذ ليس في الآثار أكثر من كون المسالك اثني عشر مسلكا فلا بأس به، وإن استحسنت ما تقدم عن بعض الأجلّة في المراد بالفرق فاعتبره على تقدير كون الانفلاق قوسيا أيضا، ثم إن ما ذكر من كون الخروج من جهة الدخول لم أره في غير ما ينسب إلى كليات أبي البقاء وهو أوفق بالقول برجوع موسى عليه السلام وقومه إلى مصر بعد الخروج من البحر وإغراق فرعون وجنوده فيه وتوقف ذلك على كون الانفلاق قوسيا لأنه لو كان خطيا يلزم أن يكون الرجوع في طريق الدخول وهو ظاهر البطلان لأن الأعداء في أثرهم، واحتمال أن تكون المسالك الخطية ثلاثة عشر وأن بني إسرائيل سلكوا اثني عشر منها واتبعهم فيها فرعون وجنوده وخرجوا قبل أن يصلوا إليهم ودخلوا جميعا في المسلك الثالث عشر من الجانب المخالف لجانب دخولهم متوجهين فيه إلى جانب دخولهم فلم يخرجوا حتى صار جميع أعدائهم في تلك المسالك الإثني عشر التي اتبعوهم فيها فخرجوا وغشي أعداءهم من اليم ما غشيهم لا يخفى ما فيه، والقول بالعود إلى مصر مع القول بأن الانفلاق كان خطيا يتوقف على هذا أو على الانفلاق مرة أخرى أو على العبور بالسفن أو سلوك طريق إلى مصر غير الطريق الذي سلكوه خارجين منها إلى البحر.
والظاهر أنه لم يكن شيء من ذلك، ولا بأس على ما قيل بالقول بكون الانفلاق قوسيا سواء قلنا بالرجوع إلى مصر أم لا، وما يقال عليه من أنه يلزم حينئذ أن تكون مداخل تلك المسالك ومخارجها في جانب فرعون وجنوده وذلك مما يوجب خوف بني إسرائيل من الدخول لاحتمال أن يدخل عليهم أعداؤهم من الطرف الآخر الذي هو محل الخروج فيلاقوهم في الطريق على طرف الثمام كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
وجوز على القول بأن الانفلاق كان قوسيا أن يكون دخول موسى عليه السلام وقومه من أحد طرفي القوس ودخول فرعون وجنوده من الطرف الآخر ليلاقوا موسى عليه السلام وقومه حتى إذا كمل الجمعان دخولا رجع موسى عليه السلام وقومه القهقرى حتى إذا خرجوا جميعا أغرق الله تعالى فرعون وجنوده أو حتى إذا كمل جمع موسى عليه السلام دخولا وبان لهم أول الداخلين لملاقاتهم رجعوا القهقرى حتى إذا خرجوا جميعا وقد كمل جمع فرعون دخولا أهلك الله تعالى عدوهم فغشيه من اليم ما غشيه وهو كما ترى.
والذي ذهب إليه أهل الكتاب أن الانفلاق كان خطيا وأن المسالك اثني عشر مسلكا لكل سبط مسلك ولا تقبيب هناك وأنه قد فتحت لهم كوى ليرى القريب قريبه ويرى الرجل من سبط زوجته من سبط آخر وأنهم خرجوا من الجهة المقابلة لجهة دخولهم وتوجهوا إلى أرض الشام، وليس في كتابنا ما هو نص في تكذيبه بل في الأخبار ما يشهد بصحة بعضه، واتحاد الفروق والمسالك في العدد يحتاج إلى نقل صحيح يثبته، والآية هنا لا تدل على أكثر من تعدد الفروق والله تعالى أعلم، وحكى يعقوب عن بعض القراء أنه قرأ «كل فلق» باللام بدل الراء، قال الراغب: الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق والفرق يقال اعتبارا بالانفصال. ومنه الفرقة للجماعة المنفردة من الناس وَأَزْلَفْنا عطف على (أوحينا)، وقيل: على محذوف يقتضيه السياق والتقدير فأدخلنا بني إسرائيل فيما انفلق من البحر وأزلفنا ثَمَّ أي هنالك الْآخَرِينَ أي فرعون وجنوده أي قربناهم من قوم موسى عليه السلام حتى دخلوا


الصفحة التالية
Icon