الصلاح فلا بد من اتباع الوحي والعمل بمقتضاه حتما، وعلى الثاني أن الله تعالى خبير بما يعمل الكفرة والمنافقون من الكيد والمكر فيأمرك سبحانه بما يدفعه فلا بد من اتباع ما يوحيه جلّ وعلا إليك، وعلى الثالث أن الله تعالى خبير بما تعمل ويعمل الكفرة والمنافقون فيرشدك إلى ما فيه صلاح حالك ويطلعك على كيدهم ومكرهم ويأمرك جلّ شأنه بما يدفع ذلك ويرده فلا بد من اتباع وحيه تعالى والعمل بموجبه. وقرأ أبو عمرو «يعملون» بياء الغيبة على أن الضمير للكفرة والمنافقين.
وجوز كونه عاما فلا تغفل وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي فوض جميع أمورك إليه عزّ وجلّ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا حافظا موكولا إليه كل الأمور، والإظهار في مقام الإضمار للتعظيم ولتستقل الجملة استقلال المثل.
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ أخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قام النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترى أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فنزلت، وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه صلّى الله تعالى عليه وسلم صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فأكثروا فقالوا: إن له قلبين ألم تسمعوا إلى قوله وكلامه في الصلاة إن له قلبا معكم وقلبا مع أصحابه فنزلت، وقال مقاتل في تفسيره، وإسماعيل بن أبي زياد الشامي، وغيرهما: نزلت في أبي معمر الفهري كان أهل مكة يقولون: له قلبان من قوة حفظه وكانت العرب تزعم أن كل لبيب أريب له قلبان حقيقة، وأبو معمر هذا اشتهر بين أهل مكة بذي القلبين وهو على ما في الإصابة جميل بن أسيد مصغر الأسد، وقيل: ابن أسد مكبرا وسماه ابن دريد عبد الله ابن وهب، وقيل: إن ذا القلبين هو جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة (١) بن جمح الجمحي وهو المعني بقوله:
وكيف ثوائي البيت وقد تقدم في تفسيره سورة لقمان، والمعول على ما في الإصابة، وحكي أنه كان يقول: (٢) إن لي قلبين أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم فروي أنه انهزم يوم بدر فمرّ بأبي سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له أبو سفيان: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلّا أنهما في رجلي فأكذب الله تعالى قوله وقولهم.
وعن الحسن أنه كان جماعة يقول الواحد منهم: نفس تأمرني ونفس تنهاني فنزلت، والجعل بمعنى الخلق ومن سيف خطيب، والمراد ما خلق سبحانه لأحد أو لذي قلب من الحيوان مطلقا قلبين فخصوص الرجل ليس بمقصود وتخصيصه بالذكر لكمال لزوم الحياة فيه فإذا لم يكن ذلك له فكيف بغيره من الإناث، وأما الصبيان فمآلهم إلى الرجولية، وقوله سبحانه: فِي جَوْفِهِ للتأكيد والتصوير كالقلوب في قوله تعالى: وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: ٤٦] وذكر في بيان عدم جعله تعالى قلبين في جوف بناء على ما هو الظاهر من أن المراد بالقلب المضغة الصنوبرية أن النفس الناطقة وكذا الحيوانية لا بد له من متعلق ومتعلقها هو الروح وهو جسم لطيف بخاري يتكون من ألطف أجزاء الأغذية لأن شد الأعصاب يبطل قوى الحس والحركة عما وراء موضع الشد مما لا يلي جهة الدماغ والشد لا يمنع إلّا نفوذ الأجسام، والتجارب الطبية أيضا شاهدة بذلك، وحيث إن النفس واحدة فلا بد من عضو واحد يكون تعلقها به أولا ثم بسائر الأعضاء بواسطته.

(١) في البحر حارثة بدل حذافة اهـ منه.
(٢) وأسلم بعد وعده ابن حجر في الصحابة وكذا جميل الجمحي اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon