وقرأ الحسن «تظهّرون» بضم التاء وفتح الظاء المخففة وشد الهاء المكسورة مضارع ظهر بتشديد الهاء بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد، وقرأ ابن وثاب فيما نقل ابن عطية «تظهرون» بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء مضارع أظهر، وقرأ هارون عن أبي عمرو «تظهرون» بفتح التاء والهاء وسكون الظاء مضارع ظهر بتخفيف الهاء، وفي مصحف أبي «تتظهرون» بتاءين ومعنى الكل واحد.
وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ إبطال لما كان في الجاهلية أيضا وصدر من الإسلام من أنه إذا تبنى الرجل ولد غيره أجريت أحكام النبوة عليه، وقد تبنى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم قبل البعثة زيد بن حارثة، والخطاب عامر بن ربيعة، وأبو حذيفة مولاه سالما إلى غير ذلك، وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد أن قوله تعالى: وَما جَعَلَ إلخ، نزلت في زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه.
و «أدعياء» جمع دعي وهو الذي يدعى ابنا فهو فعيل بمعنى مفعول وقياسه أن يجمع على فعلى كجريح وجرحى لا على أفعلاء فإن الجميع عليه قياس فعيل المعتل اللام بمعنى فاعل كتقي وأتقياء فكأنه شبه به في اللفظ فحمل عليه وجمع جمعه كما قالوا في أسير وقتيل أسراء وقتلاء، وقل: إن هذا الجمع مقيس في المعتل مطلقا، وفيه نظر.
ذلِكُمْ قيل: إشارة إلى ما يفهم من الجمل الثلاث من أنه قد يكون قلبان في جوف والظهار والادعاء، وقيل: إلى ما يفهم من الأخيرتين، وقيل: إلى ما يفهم من الأخيرة قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ فقط من غير أن يكون له مصداق وحقيقة في الواقع ونفس الأمر فإذن هو بمعزل عن القبول أو استتباع الأحكام كما زعمتم.
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ الثابت المحقق في نفس الأمر وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ أي سبيل الحق فدعوا قولكم وخذوا بقوله عزّ وجلّ.
وقرأ قتادة على ما في البحر «يهدي» بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال، وفي الكشاف أنه قرأ «وهو الذي يهدي السبيل» ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ أي انسبوهم إليهم وخصوهم بهم،
أخرج الشيخان، والترمذي، والنسائي، وغيرهم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم ما كنا ندعوه إلّا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ إلخ فقال النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم: أنت زيد بن حارثة بن شراحيل
، وكان من أمره رضي الله تعالى عنه على ما
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه كان في أخواله بني معن من بني ثعل من طيىء فأصيب في نهب من طيىء فقدم به سوق عكاظ وانطلق حكيم بن حزام بن خويلد إلى عكاظ يتسوق بها فأوصته عمته خديجة أن يبتاع لها غلاما ظريفا عربيا إن قدر عليه فلما قدم وجد زيدا يباع فيها فأعجبه ظرفه فابتاعه فقدم به عليها وقال لها: إني قد ابتعت لك غلاما ظريفا عربيا فإن أعجبك فخذيه وإلّا فدعيه فإنه قد أعجبني فلما رأته خديجة أعجبها فأخذته فتزوجها رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم وهو عندها فأعجب النبي عليه الصلاة والسلام ظرفه فاستوهبه (١) منها فقالت: أهبه لك فإن أردت عتقه فالولاء لي فأبى عليها عليه الصلاة والسلام فأوهبته له إن شاء أعتق وإن شاء أمسك قال: فشب عند النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم ثم إنه خرج في إبل لأبي طالب بأرض الشام فمرّ بأرض قومه فعرفه عمه فقام إليه فقال: من أنت يا غلام؟ قال: غلام من أهل مكة قال: من أنفسهم؟ قال: لا قال: فحر أنت أم مملوك؟ قال: بل مملوك قال: لمن؟ قال: لمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال له: أعرابي أنت أم عجمي؟ قال: عربي قال: ممن أصلك؟ قال: من كلب قال: من أي كلب؟ قال: من بني عبد ود قال: ويحك ابن

(١) يروى أنه كان ابن ثمان حين وهب اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon