وقضاه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ صلة لأولى فمدخول مِنْ هو المفضل عليه وهي ابتدائية مثلها في قولك:
زيد أفضل من عمرو أي أولو الأرحام بحق القرابة أولى في كل نفع أو بالميراث من المؤمنين بحق الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة، وقال الزمخشري: يجوز أن يكون بيانا لأولو الأرحام أي الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضا من الأجانب، والأول هو الظاهر، وكان في المدينة توارث بالهجرة وبالموالاة في الدين ذلك بآية آخر الأنفال أو بهذه الآية، وقيل: بالإجماع وأرادوا كشفه عن الناسخ وإلّا فهو لا يكون ناسخا كما لا يخفى، ورفع بَعْضُهُمْ يجوز أن يكون على البدلية وأن يكون على الابتداء وفِي كِتابِ متعلق بأولى ويجوز أن يكون حالا والعامل فيه معنى أَوْلى ولا يجوز على ما قال أبو البقاء أن يكون حالا من أُولُوا للفصل بالخبر ولأنه لا عامل إذا، وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً إما استثناء متصل من أعم ما تقدر الأولوية فيه من النفع كأنه قيل: القريب أولى من الأجنبي من المؤمنين والمهاجرين في كل نفع من ميراث وصدقة وهدية ونحو ذلك إلّا في الوصية فإنها المرادة بالمعروف فالأجنبي أحق بها من القريب الوارث فإنها لا تصح لوارث، وأما استثناء منقطع بناء على أن المراد بما فيه الأولوية هو التوارث فيكون الاستثناء من خلاف الجنس المدلول عليه بفحوى الكلام كأنه قيل: لا تورثوا غير أولي الأرحام لكن فعلكم إلى أوليائكم من المؤمنين والمهاجرين الأجانب معروفا وهو أن توصوا لمن أحببتم منهم بشيء جائز فيكون ذلك له بالوصية لا بالميراث، ويجوز أن يكون المعروف عاما لما عدا الميراث، والمتبادر إلى الذهن انقطاع الاستثناء واقتصر عليه أبو البقاء، ومكي وكذا الطبرسي وجعل المصدر مبتدأ محذوف الخبر كما أشرنا إليه.
وتفسير الأولياء بمن كان من المؤمنين والمهاجرين هو الذي يقتضيه السياق فهو من وضع الظاهر موضع الضمير بناء على أن مِنْ فيما تقدم للابتداء لا للبيان، وأخرج ابن جرير، وغيره عن مجاهد تفسيره بالذين والى بينهم النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، وأخرج ابن المنذر، وابن جرير، وابن أبي حاتم. عن محمد بن الحنفية أنه قال: نزلت هذه الآية في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني، وأخرجوا عن قتادة أنه قال: الأولياء القرابة من أهل الشرك والمعروف الوصية، وحكي في البحر عن جماعة منهم الحسن، وعطاء أن الأولياء يشمل القريب والأجنبي المؤمن والكافر وأن المعروف أعم من الوصية. وقد أجازها للكافر القريب وكذا الأجنبي جماعة من الفقهاء والإمامية يجوزونها لبعض ذوي القرابة الكفار وهم الوالدان والولد لا غير، والنهي عن اتخاذ الكفار أولياء لا يقتضي النهي عن الإحسان إليهم والبر لهم. وعدّي تَفْعَلُوا بإلى لتضمنه معنى الإيصال والإسداء كأنه قيل: إلّا أن تفعلوا مسدين إلى أوليائكم معروفا كانَ ذلِكَ أي ما ذكر في الآيتين أعني ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ والنَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وجوز أن يكون إشارة إلى ما سبق من أول السورة إلى هنا أو إلى ما بعد قوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ أو إلى ما ذكر في الآية الأخيرة وفيه بحث فِي الْكِتابِ أي في اللوح أو القرآن وقيل في التوراة مَسْطُوراً أي مثبتا بالإسطار وعن قتادة أنه قال في بعض القراءات: كان ذلك عند الله مكتوبا أن لا يرث المشرك المؤمن فلا تغفل.
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ مقدر بأذكر على أنه مفعول لا ظرف لفساد المعنى، وهو معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر كخذ هذا، وجوز أن يكون ذلك عطفا على خبر كان وهو بعيد وإن كان قريبا، ولما كان ما سبق متضمنا أحكاما شرعها الله تعالى وكان فيها أشياء مما كان في الجاهلية وأشياء مما كان في الإسلام أبطلت ونسخت اتبعه سبحانه بما فيه حث على البليغ فقال عزّ وجلّ: وَإِذْ إلخ واذكر وقت أخذنا من النبيين كافة عهودهم بتبليغ الرسالة والشرائع والدعاء إلى الدين الحق وذلك على ما قال الزجاج وغيره وقت استخراج


الصفحة التالية
Icon