إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا
أي تظنون بالله تعالى أنواع الظنون المختلفة فيظن المخلصون منكم الثابتون في ساحة الإيمان أن ينجز سبحانه وعده في إعلاء دينه ونصرة نبيه صلّى الله تعالى عليه وسلم، ويعرب عن ذلك ما سيحكى عنهم من قولهم هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ الآية، أو أن يمتحنهم فيخافون أن تزل أقدامهم فلا يتحملون ما نزل بهم، وهذا لا ينافي الإخلاص والثبات كما لا يخفى، ويظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما حكي عنهم في قوله تعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ الآية، وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال في الآية: ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمدا صلّى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه يستأصلون وأيقن المؤمنون أن ما وعد والله ورسوله حق وأنه سيظهر على الدين كله، وقد يختار أن الخطاب للمؤمنين ظاهرا وباطنا واختلاف ظنونهم بسبب أنهم يظنون تارة أن الله سبحانه سينصرهم على الكفار من غير أن يكون لهم استيلاء عليهم أولا، وتارة أنه عزّ وجلّ سينصر الكفار عليه فيستولون على المدينة ثم ينصرهم عليهم بعد، وأخرى أنه سبحانه سينصر الكفار بحيث يستأصلونهم وتعود الجاهلية، أو بسبب أن بعضهم يظن هذا وبعضهم يظن ذاك وبعضهم يظن ذلك. ويلتزم أن الظن الذي لا يليق بحال المؤمن كان من خواطر النفس التي أوجبها الخوف الطبيعي ولم يمكن البشر دفعها ومثلها عفو، أو يقال: ظنونهم المختلفة هي ظن النصر بدون نيل العدو منهم شيئا وظنه بعد النيل وظن الامتحان وعلى هذا لا يحتاج إلى الاعتذار، وأيا ما كان فالجملة معطوفة على زاغَتِ وصيغة المضارع لاستحضار الصورة والدلالة على الاستمرار، وكتب الظُّنُونَا وكذا أمثاله من المنصوب المعرف بأل كالسبيلا والرسولا في المصحف بألف في آخره، فحذفها أبو عمرو وقفا ووصلا، وابن كثير، والكسائي وحفص يحذفونها وصلا خاصة ويثبتها باقي السبعة في الحالين، واختار أبو عبيد، والحذاق أن يوقف على نحو هذه الكلمة بالألف ولا توصل فتحذف أو تثبت لأن حذفها مخالف لما اجتمعت عليه مصاحف الأمصار ولأن إثباتها في الوصل معدوم في لسان العرب نظمهم ونثرهم لا في اضطرار ولا في غيره، أما إثباتها في الوقف ففيه اتباع الرسم وموافقة لبعض مذاهب العرب لأنهم يثبتون هذه الألف في قوافي أشعارهم ومصاريعها ومن ذلك قوله: أقلّي اللوم عاذل والعتابا (١) والفواصل في الكلام كالمصاريع، وقال أبو علي: إن رؤوس الآي تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع كما كانت القوافي مقاطع هُنالِكَ ظرف مكان ويستعمل للزمان وقيل: إنه مجاز وهو أنسب هنا، وأيا ما كان فهو ظرف لما بعده لا لتظنون كما قيل أي في ذلك الزمان الهائل أو في ذلك المكان المدحض ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ أي اختبرهم الله تعالى، والكلام من باب التمثيل، والمراد عاملهم سبحانه وتعالى معاملة المختبر فظهر المخلص من المنافق والراسخ من المتزلزل، وابتلاؤهم على ما روي عن الضحاك بالجوع، وعلى ما روي عن مجاهد بشدة الحصار، على ما قيل بالصبر على الإيمان.
وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً أي اضطربوا اضطرابا شديدا من شدة الفزع وكثرة الأعداء، وعن الضحاك «أنهم زلزلوا عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلّا موضع الخندق» وقيل: أي حركوا إلى الفتنة فعصموا. وقرأ أحمد بن موسى اللؤلؤي عن أبي عمرو «زلزلوا» بكسر الزاي قاله ابن خالويه، وقال الزمخشري: وعن أبي عمرو إشمام زاي زلزلوا وكأنه عنى إشمامها الكسر ووجه الكسر انه اتباع حركة الزاي الأولى لحركة الثانية ولم يعتد بالساكن كما لم يعتد به من قال منتن بكسر الميم اتباعا لحركة التاء وهو اسم فاعل من أنتن. وقرأ الجحدري وعيسى «زلزلا» بفتح الزاي، ومصدر فعلل
(١) في رواية اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon