المعاني بصور الأجسام كما ورد في حديث ذبح الموت وغيره، وأنا لا أميل إلى القول بأن المراد بالإنسان آدم عليه السّلام وإن كان أول أفراد الجنس ومبدأ سلسلتها لمكان إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا فإنه يبعد غاية البعد وصف صفي الله عزّ وجلّ بنص إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ [آل عمران: ٣٣] بمزيد الظلم والجهل، وكون المعنى كان ظلوما جهولا بزعم الملائكة عليهم السّلام قول بارد، وحمله على معنى كان ظلوما لنفسه حيث حملها على ضعفه ما أبت الأجسام القوية حمله جهولا بقدر ما دخل فيه أو بعاقبة ما تحمل لا يزيل البعد، ولا استحسن كون المراد كان من شأنه لو خلي ونفسه ذلك كما قيل:
الظلم من شيم النفوس فإن تجد | ذا عفة فلعلة لا يظلم |
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة | وتحمل أخرى أخرجتك الودائع |
هذا أمانة عندك كذا شهرا أو كذا سنة وحثوا التراب عليه وانصرفوا فإذا نبشوا القبر قبل مضي المدة وجدوه كما وضعوه لم يتغير منه شيء فيخرجونه ويدفنونه حيث أرادوا وإذا بقي حتى تمضي المدة التي عينوها وجدوه متغيرا، وهذا أمر تواتر نقله لنا وهو مما يستبعده العقل، وإلى نحو هذا ذهب أبو إسحاق الزجاج إلا أنه قال: عرض الأمانة وضع شواهد الوحدانية في المصنوعات، ونقله عنه أبو حيان وذكر البيت المار آنفا لكنه تعقبه بأن الحمل فيه ليس نصا في الخيالة، وقيل المراد بالأمانة العقل أو التكليف وبعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد لها وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية الداعية للظلم والشهوية الداعية للجهل بعواقب الأمور، قيل وعليه ينتظم قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا مع ما قبله على أنه علته باعتبار حمل العقل عليه بمعنى إيداعه فيه لأجل إصلاح ما فيه من القوتين المحتاجتين إلى سلطان العقل الحاكم عليهما فكأنه قيل: حملناه ذلك لما فيه من القوى المحتاجة لقهره وضبطه، وكذا إذا أريد التكليف فإن معظم المقصود منه تعديل تلك القوى وكسر سورتها، ومن هنا قيل إنه أقرب للتحقيق، وقيل الأمانة تجلياته عزّ وجلّ بأسمائه الحسنى وصفاته تعالى العليا وعرضها عليهن وإباؤهن وحمل الإنسان كالمذكور آنفا.
وقوله تعالى: «إنه كان ظلوما جهولا» تعليل للحمل مشار به إلى قوة استعداده، وقوله سبحانه: «ليعذب» تعليل للعرض على معنى عرضنا ذلك لتظهر تجلياتنا الجلالية والجمالية، ويشير إلى هذا قول العلامة الطيبي عليه الرحمة: إن الله تعالى خلق الخلق ليكون مظاهر أسمائه الحسنى وصفاته العليا فحامل معنى الكبرياء والعظمة السماوات والأرض والجبال من حيث كونها عاجزة عن حمل سائر الصفات لعدم استعدادها لقبولها ولذلك أبين أن يحملنها وأشفقن منها