لذلك لفظ المعية فما اعترض به أبو حيان غير متوجه وإن ظن كذلك، وأقبح من الذنب الاعتذار حيث أجيب بأنه يجوز أن يقال حذفت واو العطف من قوله تعالى: وَالطَّيْرَ استثقالا لاجتماع الواوين أو اعتبر تعلق الثاني بعد تعلق الأول.
وقرأ السلمي وابن هرمز وأبو يحيى وأبو نوفل ويعقوب وابن أبي عبلة وجماعة من أهل المدينة وعاصم في رواية «والطير» بالرفع وخرج على أنه معطوف على جِبالُ باعتبار لفظه وحركته لعروضها تشبه حركة الإعراب ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وقيل معطوف على الضمير المستتر في أَوِّبِي وسوغ ذلك الفصل بالظرف، وقيل:
هو بتقدير ولتؤوب الطير نظير ما قيل في قوله تعالى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة: ٣٥، الأعراف: ١٩].
وقيل: هو مرفوع بالابتداء والخبر محذوف أي والطير تؤوب وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وجعلناه في يده كالشمع والعجين يصرفه كما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة قاله السدي وغيره، وقيل: جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه لينا كالسمع بالنسبة إلى قوى سائر البشر أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ أَنِ مصدرية وهي على إسقاط حرف الجر أي ألنا له الحديد لعمل سابغات أو وأمرناه بعمل سابغات، والأول أولى، وأجاز الحوفي وغيره أن تكون مفسرة ولما كان شرط المفسرة أن يتقدمها معنى القول دون حروفه وألنّا ليس فيه ذلك قدر بعضهم قبلها فعلا محذوفا فيه معنى القول ليصح كونها مفسرة أي وأمرناه أن أعمل أي أي أعمل، وأورد عليه أن حذف المفسر لم يعهد، والسابغات الدروع وأصله صفة من السبوغ وهو التمام والكمال فغلب على الدروع كالأبطح قال الشاعر:

لا سابغات ولا جأواء باسلة تقي المنون لدى استيفاء آجال
ويقال سوابغ أيضا كما في قوله:
عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابغ بيض لا تخرقها النبل
فلا حاجة إلى تقدير موصوف أي دروعا سابغات، ولا يرد هذا نقصا على ما قيل إن الصفة ما لم تكن مختصة بالموصوف كحائض لا يحذف موصوفها. وقرىء «صابغات» بإبدال السين صادا لأجل الغين.
وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السرد نسج في الأصل كما قال الراغب خرز ما يخشن ويغلظ قال الشماخ:
فظلت سراعا خيلنا في بيوتكم كما تابعت سرد العنان الخوارز
واستعير لنظم الحديد وفي البحر هو اتباع الشيء بالشيء من جنسه ويقال للدرع مسرودة لأنه توبع فيها الحلق بالحلق قال الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
ولصانعها سراد وزراد بإبدال السين زايا، وفسره هنا غير واحد بالنسج وقال: المعنى اقتصد في نسج الدروع بحيث تتناسب حلقها، وابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق بالحلق أي اجعل حلقها على مقادير متناسبة، وقال ابن زيد: لا تعملها صغيرة فتضعف فلا يقوى الدرع على الدفاع ولا كبيرة فينال صاحبها من خلالها، وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس تفسيرها بالمسامير وروي ذلك عن قتادة ومجاهد أي قدر مساميرها فلا تعملها دقاقا ولا غلاظا أي اجعلها على مقدار معين دقة وغيرها مناسبة للثقب الذي هيىء لها في الحلقة فإنها إن كانت دقيقة اضطربت فيها فلم تمسك طرفيها وإن كانت غليظة خرقت طرف الحلقة الموضوعة فيه فلا تمسك أيضا، ويبعد هذا أن إلانة الحديد له عليه السّلام بحيث كان كالشمع والعجين يغني عن التسمير فإنه بعد جمع الحلق وإدخال بعضه في بعض يزال انفصال طرفي كل حلقة يمزج الطرفين كما يمزج طرفا حلقة من شمع أو عجين والاحكام بذلك أتم من الأحكام بالتسمير بل لا يبقى معه حاجة إلى التسمير أصلا فلعله إن صح مبني على أنه عليه


الصفحة التالية
Icon