الناس وإخراج الموتى وكان التمثيل لإدناء المتوهم المعقول وإراءة المتخيل في صورة المحقق ناسب أن تكون الفاصلة لقوم يعقلون. وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ. أي بقوله تعالى قوما أو بإرادته عزّ وجلّ، والتعبير عنها بالأمر للدلالة على كمال القدرة والغنى عن المبادئ والأسباب، وليس المراد بإقامتهما إنشاءهما لأنه قد بين حاله بقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ولا إقامتهما بغير مقيم محسوس كما قيل فإن ذلك من تتمات إنشائهما وإن لم يصرح به تعويلا على ما ذكر في موضع آخر من قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها [لقمان: ١٠] الآية بل قيامهما وبقاؤهما على ما هما عليه إلى أجلهما الذي أشير إليه بقوله تعالى فيما قبل: ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الروم: ٨].
ولما كان البقاء مستقبلا باعتبار أواخره وما بعد نزول هذه الآية أظهرت هنا كلمة أَنْ التي هي علم في الاستقبال. والإمام ذهب إلى أن القيام بمعنى الوقوف وعدم النزول ثم قال على ما لخصه بعضهم: ذكرت أَنْ هاهنا دون قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ لأن القيام لما كان غير متغير أخرج الفعل- بأن- العلم في الاستقبال وجعل مصدرا ليدل على الثبوت، وإراءة البرق لما كانت من الأمور المتجددة جيء بلفظ المستقبل ولم يذكر معه ما يدل على المصدر اهـ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ إِذا الأولى شرطية والثانية فجائية نائية مناسب الفاء في الجزاء لاشتراكهما في التعقيب. والجملة الشرطية قيل: معطوفة على أَنْ تَقُومَ على تأويل مفرد كأنه قيل: ومن آياته قيام السماء والأرض بأمره ثم خروجكم من قبوركم بسرعة إذا دعاكم، وصاحب الكشف يقول: إنها أقيمت مقام المفرد من حيث المعنى وأما من حيث الصورة فهي جملة معطوفة على قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ وذلك على أسلوب مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمران: ٩٧] وفائدته ما سمعته قريبا، وظاهر كلام بعض الأفاضل أن العطف عليه ظاهر في عدم قصد عد ما ذكر آية. واختار أبو السعود عليه الرحمة كون العطف من عطف الجمل وأن المذكور ليس من الآيات قال: حيث كانت آية قيام السماء والأرض بأمره تعالى متأخرة عن سائر الآيات المعدودة متصلة بالبعث في الوجود أخرت عنهن وجعلت متصلة به في الذكر أيضا فقيل: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ الآية، والكلام مسوق للأخبار بوقوع البعث ووجوده بعد انقضاء أجل قيامهما مترتب على تعدد آياته تعدد آياته تعالى الدالة عليه غير منتظم في سلكها كما قيل كأنه قيل: ومن آياته قيام السماء والأرض على هيئتهما بأمره عزّ وجلّ إلى أجل مسمى قدره الله تعالى لقيامهما ثم إذا دعاكم أي بعد انقضاء الأجل في الأرض وأنتم في قبوركم دعوة واحدة بأن قال سبحانه: أيها الموتى أخرجوا فجأتم الخروج منها، ولعل ما أشار إليه صاحب الكشف أدق وأبعد مغزى فتأمل، وَمِنَ الْأَرْضِ متعلق بدعا ومِنْ لابتداء الغاية ويكفي في ذلك إذا كان الداعي هو الله تعالى نفسه لا الملك بأمره سبحانه كون المدعو فيها يقال دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي لا بدعوة فإنه إذا جاء نهر الله جلّ وعلا بطل نهر معقل. نعم جوز كون ذلك صفة لها وأن يكون حالا من الضمير المنصوب ولا يتخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها، وقال ابن عطية: إن مِنْ عندي لانتهاء الغاية وأثبت ذلك سيبويه، وقال أبو حيان: إنه قول مردود عند أصحابنا، وظواهر الأخبار أن الموتى يدعون حقيقة للخروج من القبور، وقيل: المراد تشبيه ترتب حصول الخروج على تعلق إرادته بلا توقف واحتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب إجابة الداعي المطاع على دعائه، ففي الكلام استعارة تمثيلية أو تخييلية ومكنية بتشبيه الموتى بقوم يريدون الذهاب إلى محل ملك عظيم متهيئين لذلك وإثبات الدعوة لهم قرينتها أو هي تصريحية تبعية في قوله تعالى: دَعاكُمْ إلى آخرها، وثم إما للتراخي الزماني أو للتراخي الرتبي، والمراد عظم ما في المعطوف من إحياء الموتى في نفسه وبالنسبة إلى المعطوف عليه فلا ينافي قوله تعالى الآتي: وَهُوَ


الصفحة التالية
Icon