الله تعالى، ويشير إلى ذلك
قوله عليه الصلاة والسلام في حديث التراويح «خشيت أن تفرض عليكم»
وقوله صلّى الله عليه وسلم في دعاء القنوت «وقنى شر ما قضيت»
وخوفه عليه من الله تعالى آلاف آلاف صلاة وسلام من قيام الساعة إذا اشتدت الريح مع إخباره بأن بين يديها خروج المهدي والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها إلى غير ذلك مما لم يحدث بعد، وغاية ما يلزم من ذلك تغير المعلوم ولا يلزم منه تغير العلم على ما بين في موضعه وعلى هذا لا إشكال
في خبر «الصدقة تزيد في العمر»
ويتضح أمر فائدة الدعاء، وما يحكى عن بعضهم من نفي القضاء المبرم يرجع إليه، وقد رأيت كراسة لبعض الأفاضل أطال الكلام فيها لتشييد هذا القول وتثبيت أركانه، والحق عندي أن ما في العلم الأزلي المتعلق بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر لا يتغير ويجب أن يقع كما علم وإلا يلزم الانقلاب، وما يتبادر منه خلاف ذلك إذا صح مؤول،
وخبر «الصدقة تزيد في العمر»
قيل إنه خبر آحاد فلا يعارض القطعيات، وقيل المراد أن الصدقة وكذا غيرها من الطاعات تزيد فيما هو المقصود الأهم من العمر وهو اكتساب الخير والكمال والبركة التي بها تستكمل النفوس الإنسانية فتفوز بالسعادة الأبدية، والدعاء حكمه حكم سائر الأسباب من الأكل والشرب والتحفظ من شدة الحر والبرد مثلا ففائدته كفائدتها، وقيل هو لمجرد إظهار الاحتياج والعبودية فليتدبر.
وقيل الضمير المعمر والنقص لغيره أي ولا ينقص من عمر المعمر لغيره بأن يعطي له عمر ناقص من عمره، وقيل الضمير للمنقوص من عمره وهو وإن لم يصرح به في حكم المذكور كما قيل. وبضدها تتبين الأشياء. فيكون عائدا على ما علم من السياق أي ولا ينقص من عمر المنقوص من عمره بجعله ناقصا.
وقرأ الحسن وابن سيرين وعيسى «ولا ينقص» بالبناء للفاعل وفاعله ضمير المعمر أو عُمُرِهِ ومِنْ زائدة في الفاعل وإن كان متعديا جاز كونه ضمير الله تعالى. وقرأ الأعرج مِنْ عُمُرِهِ بسكون الميم إِلَّا فِي كِتابٍ عن ابن عباس هو اللوح المحفوظ، وجوز أن يراد به صحيفة الإنسان
فقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو بخمس وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أم سعيد أذكر أم أنثى فيقول الله تعالى ويكتب ثم يكتب عمله ورزقه وأجله وأثره ومصيبته ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص منها»
وجوز أيضا أن يراد به علم الله عزّ وجلّ، وذكر في ربط الآيات أن قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ إلخ مساق للدلالة على القدرة الكاملة وقوله سبحانه: وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى [فصلت: ٤٧] إلخ للعلم الشامل وقوله عزّ وجلّ: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ إلخ لإثبات القضاء والقدر، والمعنى وما يعمر منكم خطابا لأفراد النوع الإنساني وأيد بذلك الوجه الأول من أوجه وَما يُعَمَّرُ إلخ إِنَّ ذلِكَ أي ما ذكر من الخلق وما بعده مع كونه محارا للعقول والأفهام عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لاستغنائه تعالى عن الأسباب فكذلك البعث والنشور وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ طيب فُراتٌ كاسر العطش ومزيله.
وقال الراغب: الفرات الماء العذب يقال للواحد، والجمع، ولعل الصوف على هذا على طرز أسود حالك وأصفر فاقع سائِغٌ شَرابُهُ سهل انحداره لخلوه مما تعافه النفس. وقرأ عيسى «سيغ» كميت بالتشديد، وجاء كذلك عن أبي عمرو وعاصم، وقرأ عيسى أيضا «سيغ» كميت بالتخفيف وَهذا مِلْحٌ متغير طعمه التغير المعروف، وقرأ أبو نهيك وطلحة «ملح» بفتح الميم وكسر اللام، وقال أبو الفتح الرازي: وهي لغة شاذة، وجوز أن يكون مقصورا من مالح للتخفيف، وهو مبني على ورود مالح والحق وروده بقلة وليس بلغة رديئة كما قيل.
وفرق الإمام بين الملح والمالح بأن الملح الماء الذي فيه الطعم المعروف من أصل الخلقة كماء البحر والمالح الماء الذي وضع فيه ملح فتغير طعمه ولا يقال فيه إلا مالح ولم أره لغيره، وقال بعضهم: لم يرد مالح أصلا وهو قول


الصفحة التالية
Icon