الأخير لأن المراد بالأموات. فاقدو الحياة بعد الاتصاف بها كما يشعر به أرداف ذلك بقوله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ فيكون للحياة مع أنها وجودية رتبة السبق أيضا، وقيل إن تقديم غير الأشرف مع انفهام أنه غير أشرف على الأشرف للإشارة إلى أن التقديم صورة لا يخل بشرف الأشرف:

فالنار يعلوها الدخان وربما يعلو الغبار عمائم الفرسان
وجمع الظلمات مع إفراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق، وقيل لأن الظلمة قد تتعدد فتكون في محال قد تخلل بينهما نور والنور في هذا العالم وإن تعدد إلا أنه يتحد وراء محل تعدده، وجمع الأحياء والأموات على بابه لتعدد المشبه بهما ولم يجمع الأعمى والبصير لذلك لأن القصد إلى الجنس والمفرد أظهر فيه مع أن في البصراء ترك رعاية الفاصلة وهو على الذوق السليم دون البصير، فتدبر جميع ذلك والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وهو العليم الخبير.
وقرأ الأشهب والحسن «بمسمع من» بالإضافة إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر فإن كان المنذر ممن أراد الله تعالى هدايته سمع واهتدى وإن كان ممن أراد سبحانه ضلاله وطبع على قلبه فما عليك منه تبعة إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ أي محقين على أنه حال من الفاعل أو محقا على أنه حال من المفعول أو إرسالا مصحوبا بالحق على أنه صفة لمصدر محذوف، وجوز الزمخشري تعلقه بقوله سبحانه: بَشِيراً ومتعلق قوله تعالى:
وَنَذِيراً محذوف لدلالة المقابل على مقابله أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق.
وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ أي ما من جماعة كثيرة أهل عصر وأمة من الأمم الدارجة في الأزمنة الماضية إِلَّا خَلا مضى فِيها نَذِيرٌ من نبي أو عالم ينذرها، والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قريبة البشارة لا سيما وقد اقترنا آنفا مع أن الإنذار أنسب بالمقام، وقيل خص النذير بالذكر لأن البشارة لا تكون إلا بالسمع فهو من خصائص الأنبياء عليهم السّلام فالبشير نبي أو ناقل عنه بخلاف النذارة فإنه تكون سمعا وعقلا فلذا وجه النذير في كل أمة، وفيه بحث.
واستدل بعض الناس بهذه الآية مع قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام: ٣٨] على في البهائم وسائر الحيوانات أنبياء أو علماء ينذرون، والاستدلال بذلك باطل لا يكاد نفي بطلانه على أحد حتى على البهائم، ولم نسمع القول بنبوة فرد من البهائم ونحوها إلا عن الشيخ محيي الدين ومن تابعه قدس الله سره، ورأيت في بعض الكتب أن القول بذلك كفر والعياذ بالله تعالى.
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم العاتية فلا تحزن من تكذيب هؤلاء إياك.
جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ في موضع الحال على ما قال أبو البقاء إما بدون تقدير قد أو بتقديرها أي كذب الذين من قبلهم وقد جاءتهم رسلهم بِالْبَيِّناتِ أي بالمعجزات الظاهرة الدالة على صدقهم فيما يدعون وَبِالزُّبُرِ كصحف إبراهيم عليه السّلام وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ كالتوراة والإنجيل على إرادة التفصيل يعني أن بعضهم جاء بهذا وبعضهم جاء بهذا لا على إرادة الجمع وأن كل رسول جاء بجميع ما ذكر حتى يلزم أن يكون لكل رسول كتاب وعدد الرسل أكثر بكثير من عدد الكتب كما هو معروف، ومال هذا إلى منع الخلو، ويجوز أن يراد بالزبر والكتاب واحد والعطف لتغاير العنوانين لكن فيه بعد ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا وضع الظاهر موضع ضميرهم لذمهم بما حيز الصلة والأشعار بعلة الأخذ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكاري عليهم بالعقوبة، وفيه مزيد تشديد وتهويل وقد تقدم الكلام في نظير هذا في سبأ فتذكر.
وفي الآية من تسليته صلّى الله عليه وسلم ما فيها أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً إلخ استئناف مسوق على ما يخطر


الصفحة التالية
Icon