أبلغ لإطلاق الرد وتفخيم اليوم وإن إتيانه من جهة عظيم قادر ذي سلطان قاهر ومنه يعلم أن ذلك ليس قليل الفائدة.
نعم إن فيه الفصل الملبس وحال سائر الأوجه لا يخفى على ذي تمييز يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ يأتي يَصَّدَّعُونَ أصله يتصدعون فقلبت تاؤه صادا وأدغمت والتصدع في الأصل تفرق أجزاء الأواني ثم استعمل في مطلق التفرق أي يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير، وقيل: يتفرقون تفرق الأشخاص على ما ورد في قوله تعالى: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة: ٤] لا تفرق الفريقين فإن المبالغة في التفرق المستفادة من يَصَّدَّعُونَ إنما تناسب الأول، ورجح الثاني بأنه المناسب للسياق والسباق إذا الكلام في المؤمنين والكافرين فما ذكر بيان لتباينهم في الدارين ويكفي للمبالغة شدة بعد ما بين المنزلتين حسا ومعنى وهو تفسير رواه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة، وروي أيضا عن ابن زيد مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ أي وبال كفره وهي النار المؤبدة ففي الكلام مضاف مقدر أو الكفر مجاز عن جزائه بل عن جميع المضار التي لا ضرر وراءها، وأفراد الضمير باعتبار لفظ مَنْ وفيه إشارة إلى قلة قدرهم عند الله تعالى وحقارتهم مع ما علم من كثرة عددهم، وجمعه في قوله تعالى: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ باعتبار معناها، وفيه مع رعاية الفاصلة إشارة إلى كثرة قدرهم وعظمهم عند الله تعالى، ويَمْهَدُونَ من مهد فراشه وطأه أي يوطؤون لأنفسهم كما يوطىء الرجل لنفسه فراشه لئلا يصيبه في مضجعه ما ينبيه وينغص عليه مرقده من نتوء أو ق أو بعض ما يؤذي الراقد فكأنه شبه حالة المكلف مع عمله الصالح وما يتحصل به من الثواب ويتخلص من العقاب بحالة من يمهد فراشه ويوطؤه ليستريح عليه ولا يصيبه في مضجعه ما ينغص عليه، وجوز أن يكون المعنى فعلى أنفسهم يشفقون على أن ذلك من قولهم في المثل للمشفق أم فرشت فأنامت فيكون الكلام كناية إيمائية عن الشفقة والمرحمة والأولى أظهر، والظاهر أن هذه التوطئة لما بعد الموت من القبر وغيره، وأخرج جماعة عن مجاهد أنه قال: فلأنفسهم يمهدون أي يسوون المضاجع في القبر وليس بذاك. وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على الاختصاص وقيل: للاهتمام، ومقابلة من كَفَرَ- بمن عمل صالحا- لا بمن آمن إما للتنويه بشأن الإيمان بناء على أنه المراد بالعمل الصالح وإما لمزيد الاعتناء بشأن المؤمن العامل بناء على أن المراد بالعمل الصالح ما يشمل العمل القلبي والقالبي ويشعر بأن المراد بمن عمل صالحا المؤمن العالم قوله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ فإنه علّة ليمهدون وأقيم فيه الموصول مقام الضمير تعليلا للجزاء لما أن الموصول في معنى المشتق والتعليق به يفيد عليه مبدأ الاشتقاق، وذكر مِنْ فَضْلِهِ للدلالة على أن الإثابة تفضل محض وتأويله بالعطاء أو الزيادة على ما يستحق من الثواب عدول عن الظاهر، وجوز أن يكون ذلك علّة ليصدعون والاقتصار على جزاء المؤمنين للإشعار بأنه المقصود بالذات والاكتفاء بفحوى قوله تعالى: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ فإن عدم المحبة كناية عن البغض في العرف. وهو يقتضي الجزاء بموجبه فكأنه قيل: وليعاقب الكافرين. وفي الكشاف أن تكرير الذين آمنوا وعملوا الصالحات وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده تعالى إلّا المؤمن الصالح، وقوله تعالى: إِنَّهُ إلخ تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس ويعني بذلك كل كلامين يقرر الأول الثاني وبالعكس سواء كان صريحا وإشارة أو مفهوما ومنطوقا وذلك كقول ابن هانىء:

فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يصير الجود حيث يصير
وبيانه فيما نحن فيه أن قوله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يدل بمنطوقه على ما قرر على اختصاصهم بالجزاء التكريمي وبمفهومه على أنهم أهل الولاية والزلفى، وقوله سبحانه: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ لتعليل الاختصاص يدل بمنطوقه على أن عدم المحبة يقتضي حرمانهم وبمفهومه على أن الجزاء لأضدادهم. موفر فهو جلّ وعلا محب


الصفحة التالية
Icon