يكلم فلانا فكلمه ميتا لا يحنث، وحكى السفاريني في البحور الزاخرة أن عائشة ذهبت إلى نفي سماع الموتى ووافقها طائفة من العلماء على ذلك، ورجحه القاضي أبو يعلى من أكابر أصحابنا- يعني الحنابلة- في كتابه الجامع الكبير واحتجوا بقوله تعالى: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ونحوه، وذهبت طوائف من أهل العلم إلى سماعهم في الجملة.
وقال ابن عبد البر: إن الأكثرين على ذلك وهو اختيار ابن جرير والطبري وكذا ذكر ابن قتيبة، وغيره، واحتجوا بما
في الصحيحين عن أنس عن أبي طلحة رضي الله تعالى عنهما قال: «لما كان يوم بدر وظهر عليهم- يعني مشركي قريش- رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر ببضعة وعشرين رجلا وفي رواية أربع وعشرين رجلا من صناديد قريش فألقوا في طوى أي بئر من أطواء بدر وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ناداهم يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعد ربي حقا؟ فقال عمر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، زاد في رواية لمسلم عن أنس «ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا»
وبما
أخرجه أبو الشيخ من مرسل عبيد بن مرزوق قال: «كانت امرأة بالمدينة تقمّ المسجد فماتت فلم يعلم بها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فمر على قبرها فقال عليه الصلاة والسلام: ما هذا القبر؟ فقالوا: أم محجن قال:
التي كانت تقم المسجد؟ قالوا: نعم فصف الناس فصلى عليها فقال صلّى الله عليه وسلم: أي العمل وجدت أفضل؟ قالوا يا رسول الله أتسمع؟ قال: ما أنتم بأسمع منها فذكر عليه الصلاة والسلام أنها أجابته قم المسجد»

وبما
رواه البيهقي، والحاكم وصححه وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم وقف على مصعب بن عمير وعلى أصحابه حين رجع من أحد فقال:
«أشهد أنكم أحياء عند الله تعالى فزوروهم وسلموا عليهم فو الذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة»
وبما
أخرج ابن عبد البر وقال عبد الحق الإشبيلي إسناده صحيح عن ابن عباس مرفوعا «ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلا عرفه ورد عليه»
وبما أخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «الروح بيد ملك يمشي به مع الجنازة يقول له: أتسمع ما يقال لك؟ فإذا بلغ حفرته دفنه معه» وبما
في الصحيحين من قوله صلّى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم»
وأجابوا عن الآية فقال السهيلي:
إنها كقوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ أي إن الله تعالى هو الذي يسمع ويهدي.
وقال بعض الأجلة: إن معناها لا تسمعهم إلّا أن يشاء الله تعالى أو لا تسمعهم سماعا ينفعهم، وقد ينفى الشيء لانتفاء فائدته وثمرته كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها [الأعراف: ٢٧٩] الآية، وهذا التأويل يجوز أن يعتبر في قوله تعالى: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ ويكون نكتة العدول عن- فإنك لا تسمع الموتى ولا الصم- إلى ما في النظم الجليل العناية بنفي الإسماع ويجوز أن لا يعتبر فيه ويبقى الكلام على ظاهره ويكون نكتة العدول الإشارة إلى أن لا تُسْمِعُ في كل من الجملتين بمعنى.
وقال الذاهبون إلى عدم سماعهم: الأصل عدم التأويل والتمسك بالظاهر إلى أن يتحقق ما يقتضي خلافه، وأجابوا عن كثير مما استدل به الآخرون فقال بعضهم: إن ما وقع في حديث أبي طلحة رضي الله تعالى عنه يجوز أن يكون معجزة له صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو مراد من قال: إنه من خصوصياته عليه الصلاة والسلام وهي من خوارق العادة، والكلام في موافقها وهو الذي نفي في آية فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ونحوها
وفي قوله عليه الصلاة والسلام: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم»
دون ما أنتم بأسمع لما يقال ونحوه منهم تأييد ما لذلك، وحديث أبي الشيخ مرسل وحكم الاستدلال به معروف، على أن احتمال الخصوصية قائم فيه أيضا: وفي صحيح البخاري قال قتادة:


الصفحة التالية
Icon