بعضهما من أناب وهو خلاف الظاهر، وأيا ما كان ففيه تغليب للخطاب على الغيبة فَأُنَبِّئُكُمْ عند رجوعكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بأن أجازي كلّا منكم بما صدر عنه من الخير والشر، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص أخرج أبو يعلى، والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن أبي وقاص قال: أنزلت في هذه الآية وَإِنْ جاهَداكَ الآية كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد وما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه قلت: لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء فمكثت يوما وليلة لا تأكل فأصبحت قد جهدت فمكثت يوما وليلة لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا الشيء فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فنزلت هذه الآية، وذكر بعضهم أن هذه وما قبلها أعني قوله تعالى:
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ الآية نزلتا فيه قيل ولكون النزول فيه قيل: من أناب بتوحيد الضمير حيث أريد بذلك أبو بكر رضي الله تعالى عنه فإن إسلام سعد كان بسب إسلامه.
وأخرج الواحدي عن عطاء عن ابن عباس قال إنه يريد بمن أناب أبو بكر وذلك أنه حين أسلم رآه عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا لأبي بكر آمنت وصدقت محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم فقال أبو بكر: نعم فأتوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فآمنوا وصدقوا فأنزل الله تعالى يقول لسعد: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه، وابن جريج يقول كما أخرج عنه ابن المنذر من أناب محمد عليه الصلاة والسلام، وغير واحد يقول هو صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنون، والظاهر هو العموم.
يا بُنَيَّ إلخ رجوع إلى القصة بذكر بقية ما أريد حكايته من وصايا لقمان أثر تقرير ما في مطلعه من النهي عن الشرك وتأكيده بالاعتراض إِنَّها أي الخصلة من الإساءة والإحسان لفهمها من السياق. وقيل: وهو كما ترى إنها أي التي سألت عنها، فقد روي أن لقمان سأله ابنه أرأيت الحبة تقع في مغاص البحر أيعلمها الله تعالى فقال يا بني إنها أي التي سألت عنها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أي إن تكن مثلا في الصغر كحبة الخردل والمثقال ما يقدر به غيره لتساوي ثقلهما وهو في العرف معلوم.
وقرأ نافع، والأعرج، وأبو جعفر «مثقال» بالرفع على أن الضمير للقصة وتَكُ مضارع كان التامة والتأنيث لإضافة الفاعل إلى المؤنث كما في قول الأعشى:

وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
أو لتأويله بالزنة أو الحسنة والسيئة فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ أي فتكن مع كونها في أقصى غايات الصغر والقماءة في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي، وقيل: في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو أعلاه كمحدب السماوات أو أسفله كمقعر الأرض، ولا يخفى أنه لا دلالة في النظم على تخصيص المحدب والمقعر ولعل المقام يقتضيه إذ المقصود المبالغة.
وفي قوله تعالى: فِي السَّماواتِ لا يأبى ذلك لأنها ذكرت بحسب المكانية أو للمشاكلة أو هي بمعنى على، وعبر بها للدلالة على التمكن ومع هذا الظاهر ما تقدم، وفي البحر أنه بدأ بما يتعقله السامع أولا وهو كينونة الشيء في صخرة وهو ما صلب من الحجر وعسر الإخراج منه ثم أتبعه بالعالم العلوي وهو أغرب للسامع ثم أتبعه بما يكون مقر الأشياء للشاهد وهو الأرض، وقيل: إن خفاء الشيء وصعوبة نيله بطرق بغاية صغره ويبعده عن الرائي وبكونه في ظلمة وباحتجاجه فمثقال حبة من خردل إشارة إلى غاية الصغر، وفِي صَخْرَةٍ إشارة إلى الحجاب وفِي السَّماواتِ


الصفحة التالية
Icon