ورد من عزمات الله عزّ وجلّ
، والمراد به هنا المعزوم إطلاقا للمصدر على المفعول، والإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأمور المعزومة.
وجوز أن يكون العزم بمعنى الفاعل أي عازم الأمور من عزم الأمر أي جد فعزم الأمور من باب الإسناد المجازي كمكر الليل لا من باب الإضافة على معنى في وإن صح، وقيل: يريد من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، واستظهر أبو حيان إنه أراد من لازمات الأمور الواجبة، ونقل عن بعضهم أن العزم هو الحزم بلغة هذيل، والحزم والعزم أصلان، وما قاله المبرد من أن العين قلبت حاء ليس بشيء لاطراد تصاريف كل من اللفظين فليس أحدهما أصلا للآخر، والجملة تعليل لوجوب الامتثال بما سبق وفيه اعتناء بشأنه وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ أي لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون قاله ابن عباس، وجماعة وأنشدوا:

وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
فهو من الصعر بمعنى الصيد وهو داء يعتري البعير فيلوي منه عنقه ويستعار للتكبر كالصعر، وقال ابن خويز منداد:
نهى أن يذل نفسه من غير حاجة فيلوى عنقه، ورجح الأول بأنه أوفق بما بعد، ولام لِلنَّاسِ تعليلية والمراد ولا تصعر خدك لأجل الإعراض عن الناس أو صلة. وقرأ نافع وأبو عمرو. وحمزة، والكسائي «تصاعر» بألف بعد الصاد. وقرأ الجحدري تصعر مضارع أصعر والكل واحد مثل علاه وعالاه وأعلاه.
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ التي هي أحط الأماكن منزلة مَرَحاً أي فرحا وبطرا، مصدر وقع موقع الحال للمبالغة أو لتأويله بالوصف أو تمرح مرحا على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة في موضع الحال أو لأجل المرح على أنه مفعول له، وقرىء مرحا بكسر الراء على أنه وصف في موضع الحال إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ تعليل للنهي أو موجبه والمختال من الخيلاء وهو التبختر في المشي كبرا، وقال الراغب: التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه، ومنه تؤول لفظ الخيل لما قيل إنه لا يركب أحد فرسا إلا وجد في نفسه نخوة، والفخور من الفخر وهو المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ويدخل في ذلك تعداد الشخص ما أعطاه لظهور أنه مباهاة بالمال، وعن مجاهد تفسير الفخور بمن يعدد ما أعطى ولا يشكر الله عزّ وجلّ، وفي الآية عند الزمخشري لف ونشر معكوس حيث قال: المختال مقابل للماشي مرحا وكذلك الفخور للمصعر خده كبرا وذلك لرعاية الفواصل على ما قيل، ولا يأبى ذلك كون الوصية لم تكن باللسان العربي كما لا يخفى.
وجوز أن يكون هناك لف ونشر مرتب فإن الاختيال يناسب الكبر والعجب وكذا الفخر يناسب المشي مرحا.
والكلام على رفع الإيجاب الكلي والمراد السلب الكلي، وجوز أن يبقى على ظاهره، وصيغة فَخُورٍ للفاصلة ولأن ما يكره من الفخر كثرته فإن القليل منه يكثر وقوعه فلطف الله تعالى بالعفو عنه وهذا كما لطف بإباحة اختيال المجاهد بين الصفين وإباحة الفخر بنحو المال لمقصد حسن وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ بعد الاجتناب عن المرح فيه أي توسط فيه بين الدبيب والإسراع من القصد وهو الاعتدال، وجاء في عدة روايات إلّا أن في أكثرها مقالا يخرجها عن صلاحية الاحتجاج بها كما لا يخفى على من راجع
شرح الجامع الصغير للمناوي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن»
أي هيبته وجماله أي تورثه حقارة في أعين الناس، وكأن ذلك لأنها تدل على الخفة وهذا أقرب من قول المناوي لأنها تتعب فتغير البدن والهيئة.
وقال ابن مسعود: كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشيا بين ذلك، وما في النهاية من أن عائشة نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتا فقالت: ما لهذا؟ فقيل: إنه من القراء فقالت: كان عمر رضي الله تعالى عنه


الصفحة التالية
Icon