والخبر محذوف على قول غيره، وخرج الأخفش ولات أو أن على إضمار حين أي ولات حين أوان صلح فحذفت حين وأبقى أوان على جره، وقيل: إن أوان في البيت مبني على الكسر وهو مشبه بإذ في قول أبي ذؤيب:

نهيتك عن طلابك أم عمرو بعاقبة وأنت إذ صحيح
ووجه التشبيه أنه زمان قطع عنه المضاف إليه لأن الوصل أوان صلح وعوض التنوين فكسر لالتقاء الساكنين لكونه مبنيا مثله فهما شبهان في أنهما مبنيان مع وجود تنوين في آخرهما للعوض يوجب تحريك الآخر بالكسر وإن كان سبب البناء في أوان دون إذ شبه الغايات حيث جعل زمانا قطع عنه المضاف إليه وهو مراد وليس تنوين العوض مانعا عن الإلحاق بها فإنها تبنى إذا لم يكن تنوين لأن علته الاحتياج إلى المحذوف كاحتياج الحرف إلى ما يتم به، وهذا المعنى قائم نوّن أو لم ينون فإن التنوين عوض لفظي لا معنوي فلا تنافي بين التعويض والبناء لكن اتفق أنهم لم يعوضوا التنوين إلا في حال إعرابها وكأن ذلك لئلا يتمحض للتعويض بل يكون فيها معنى التمكن أيضا فلا منافاة، وثبت البناء فيما نحن فيه بدليل الكسر وكانت العلة التي في الغايات قائمة فأحيل البناء عليها، واتفق أنهم عوضوا التنوين هاهنا تشبيها بإذ في أنها لما قطعت عن الاضافة نونت أو توفية لحق اللفظ لما فات حق المعنى، وخرجت القراءة على حمل مَناصٍ على أوان في البيت تنزيلا لما أضيف إليه الظرف وهو حِينَ منزلة الظرف لأن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد فقدرت ظرفيته وهو قد كان مضافا إذا أصله مناصهم فقطع وصار كأنه ظرف مبني مقطوع عن الإضافة منون لقطعه ثم بني ما أضيف إليه وهو حِينَ على الكسر لإضافته إلى ما هو مبني فرضا وتقديرا وهو مَناصٍ المشابه لأوان. وأورد عليه أن ما ذكر من الحمل لم يؤثر في المحمول نفسه فكيف يؤثر فيما يضاف إليه على أن في تخريج الجر في البيت على ذلك ما فيه، والعجب كل العجب ممن يرتضيه، وضم التاء على قراءة أبي السمال وكسرها على قراءة عيسى للبناء، وروي عن عيسى «ولات حين» بالضم «مناص» بالفتح، قال صاحب اللوامح: فإن صح ذلك فلعله بنى «حين» على الضم تشبيها بالغايات وبني مَناصٍ على الفتح مع لاتَ وفي الكلام تقديم وتأخير أي ولات مناص حين لكن لا إنما تعمل في النكرات المتصلة بها دون المنفصلة عنها ولو بظرف، وقد يجوز أن يكون لذلك معنى لا أعرفه انتهى، وأهون من هذا فيما أرى كون حِينَ معربا مضافا إلى مَناصٍ والفتح لمجاورة واو العطف في قوله تعالى وَعَجِبُوا نظير فتح الراء من غير في قوله:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات إرقال
على قول والأغلب على الظن عدم صحة هذه القراءة. وقرأ عيسى أيضا كقراءة الجمهور إلا أنه كسر تاء لاتَ وعلم من هذه القراءات أن في تائها ثلاث لغات، واختلفوا في أمر الوقف عليها فقال سيبويه، والفراء وابن كيسان والزجاج: يوقف عليها بالتاء، وقال الكسائي والمبرد بالهاء، وقال أبو علي: ينبغي أن لا يكون خلاف في أن الوقف بالتاء لأن قلب التاء هاء مخصوص بالأسماء وزعم قوم أن التاء ليست ملحقة بلا وإنما هي مزيدة في أول ما بعدها واختاره أبو عبيدة، وذكر أنه رأى في الإمام «ولا تحين مناص» برسم التاء مخلوطا بأول حين، ولا يرد عليه أن خط المصحف خارج عن القياس الخطي إذ لم يقع في الإمام في محل آخر مرسوما على خلاف ذلك حتى يقال ما هنا مخالف للقياس والأصل اعتباره إلا فيما خصه الدليل، ومن هنا قال السخاوي في شرح الرائية أنا أستحب الوقف على لا بعد ما شاهدته في مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه، وقد سمعناهم يقولون: اذهب تلان وتحين بدون لا وهو كثير في النثر والنظم انتهى، ومنه قوله:


الصفحة التالية
Icon