بين المتلابسين وخص الخلطاء لكثرته فيما بينهم فلا عجب مما شجر بينكم ويترتب عليه قصد الموعظة الحسنة والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الذين حكم لهم بالقلة وأن يكره إليهم الظلم والاعتداء الذي عليه أكثرهم مع التأسف على حالهم وأن يسلي المظلوم عما جرى عليه من خليطه وأن له في أكثر الخلطاء أسوة أو كأنه قيل: إن هذا الأمر الذي جرى بينكما أيها الخليطان كثيرا ما يجري بين الخلطاء فينظر فيه إلى خصوص حالهما، قال في الكشف:
والمحمل الأظهر هذا.
وعلى التقديرين هو تذييل يترتب عليه ما ذكر. ثم قال: ولعل الأظهر حمل الخلطاء على المتعارفين والمتضادين وأضرابهم ممن بينهم ملابسة شديدة وامتزاج على نحو:
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا والغلبة في الشركاء الذين خلطوا أموالهم في عرف الفقهاء فذكر الخلطاء لا ينافي ذكر الحلائل إذ لم ترد الخلطة اه. وأنت خبير بأن ذلك وإن لم يناف ذكر الحلائل لكن أولوية عدم إرادة الحلائل وإبقاء النعجة على معناها الحقيقي مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ الظن مستعار للعلم الاستدلالي لما بينهما من المشابهة الظاهرة، وفي البحر لما كان الظن الغالب يقارب العلم استعير له، فالمعنى وعلم داود وأيقن بما جرى في مجلس الحكومة أن الله تعالى ابتلاه، وقيل لما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ثم صعدا إلى السماء حيال وجهه فعلم بذلك أنه تعالى ابتلاه، وجوز إبقاء الظن على حقيقته، وأنكر ابن عطية مجيء الظن (١) بعد العلم اليقيني وقال: لسنا نجده في كلام العرب وإنما هو توقيف بين معتقدين غلب أحدهما على الآخر وتوقعه العرب على العلم الذي ليس بواسطة الحواس فإنه اليقين التام ولكن يخلط الناس في هذا ويقولون: ظن بمعنى أيقن إلى آخر ما أطال، ويفهم منه أن إطلاق الظن على العلم الاستدلالي حقيقة والمشهور أنه مجاز، وظاهر ما بعد أنه هنا بمعنى العلم وأَنَّما المفتوحة على ما حقق بعض الأجلة لا تدل على الحصر كالمكسورة، ومن قال بإفادتها إياه حملا على المكسورة كالزمخشري لم يدع الاطراد فليس المقصود هاهنا قصر الفتنة عليه عليه السلام لأنه يقتضي انفصال الضمير، ولا قصر ما فعل به على الفعل لأن كل فعل ينحل إلى عام وخاص فمعنى ضربته فعلت ضربه على أن المعنى ما فعلنا به إلا الفتنة كما قال أبو السعود لأنه على ما قيل تعسف وإلغاز، ومن يدعي الاطراد يلتزم الثاني من القصرين المنفيين ويمنع كون ما ذكر تعسفا وإلغازا.
وقرأ عمر بن الخطاب وأبو رجاء والحسن بخلاف عنه «فتّنّاه» بتشديد التاء والنون مبالغة، والضحاك «افتناه» كقوله على ما نقله الجوهري عن أبي عبيدة:

لئن فتنتني لهي بالأمس افتنت سعيدا فأمسى قد غوى كل مسلم
وقتادة وأبو عمرو في رواية «أنما فتناه» بضمير التثنية وهو راجع إلى الخصمين فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ إثر ما علم أن ما صدر عنه ذنب وَخَرَّ راكِعاً أي ساجدا على أن الركوع مجاز عن السجود لأنه لإفضائه إليه جعل كالسبب ثم تجوز به عنه أو هو استعارة لمشابهته له في الانحناء والخضوع والعرب تقول نخلة راكعة ونخلة ساجدة، وقال الشاعر:
(١) قوله بعد العلم هكذا في خط المؤلف ولعله بمعنى العلم اه.


الصفحة التالية
Icon