العنق قيل وهو الأنسب بمقرنين لأن التقرين بها غالبا ويسمى به العطاء لأنه ارتباط للمنعم عليه ومنه
قول علي كرم الله تعالى وجهه: من برّك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك
وقول القائل: غل يدا مطلقها وفك رقبة معتقها، وقال أبو تمام:
هممي معلقة عليك رقابها | مغلولة إن العطاء إسار |
وقيدت نفسي في ذراك محبة | ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا |
والأصفاد غير ما هو المعروف بل هي أصفاد يتأتى بها تقييد اللطيف على وجه يمنعه عن التصرف، والأمر من أوله خارق للعادة، وقيل: إن لطافة أجسامهم بمعنى شفافتها لا تأبى الصلابة كما في الزجاج والفلك عند الفلاسفة فيمكن أن تكون أجسامهم شفافة وصلبة فلا ترى لشفافتها ويتأتى تقييدها لصلابتها، وأنكر بعضهم الصلابة لتحقق نفوذ الشياطين فيما لا يمكن نفوذ الصلب فيه وأنهم لا يدركون باللمس والصلب يدرك به.
وقيل: لا مانع من أنه عليه السلام يقيدهم بشكل صلب فيقيدهم حينئذ بالأصفاد والشيطان إذا ظهر متشكلا بشكل قد يتقيد به ولا يمكنه التشكل بغيره ولا العود إلى ما كان، وقد نص الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره أن نظر الإنسان يقيد الشيطان بالشكل الذي يراه فيه فمتى رأى الإنسان شيطانا بشكل ولم يصرف نظره عنه بالكلية لم يستطع الشيطان الخفاء عنه ولا التشكل بشكل آخر إلى أن يجد فرصة صرف النظر عنه ولو برمشة عين.
وزعم الجبائي أن الشيطان كان كثيف الجسم في زمن سليمان عليه السلام ويشاهده الناس ثم لما توفي عليه السلام أمات الله عزّ وجلّ ذلك الجن وخلق نوعا آخر لطيف الجسم بحيث لا يرى ولا يقوى على الأعمال الشاقة، وهذا لا يقبل أصلا إلا برواية صحيحة وأنى هي، وقيل: الأقرب أن المراد تمثيل كفهم عن الشرور بالإقران في الصفد وليس هناك قيد ولا تقييد حقيقة هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ إما حكاية لما خوطب به سليمان عليه السلام مبينة لعظم شأن ما أوتي من الملك وأنه مفوض إليه تفويضا كليا، وإما مقول لقول مقدر هو معطوف على (سخرنا) أو حال من فاعله أي وقلنا أو قائلين له هذا إلخ والإشارة إلى ما أعطاه مما تقدم أي هذا الذي أعطيناكه من الملك العظيم والبسطة والتسليط على ما لم يسلط عليه غيرك عطاؤنا الخاص بك فأعط من شئت وامنع من شئت غير محاسب على شيء من الأمرين ولا مسؤول عنه في الآخرة لتفويض التصرف فيه إليك على الإطلاق، فبغير حساب