يلقى السيوف بوجهه وبنحره | ويقيم هامته مقام المغفر |
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ استئناف مسوق لبيان ما أصاب بعض الكفرة من العذاب الدنيوي إثر بيان ما يصيب الكل من العذاب الأخروي أي كذب الذين من قبلهم من الأمم السالفة فَأَتاهُمُ الْعَذابُ المقدر لكل أمة منهم مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ من الجهة التي لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم إتيانه منها لأن ذلك أشد على النفس فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ أي الذل والصغار فِي الْحَياةِ الدُّنْيا كالمسخ والخسف والقتل والسبي والإجلاء وغير ذلك من فنون النكال، والفاء تفسيرية مثلها في قوله تعالى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ [الأنبياء: ٧٦] وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ المعد لهم أَكْبَرُ لشدته وسرمديته لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي لو كانوا من شأنهم أن يعلموا شيئا لعلموا ذلك واعتبروا به وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ العظيم الشأن مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتاج إليه الناظر أمور دينه لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي كي يتذكروا ويتعظوا أو مرجوا تذكرهم واتعاظهم، والرجاء بالنسبة إلى غيره تعالى والتعليل أظهر قُرْآناً عَرَبِيًّا حال من هذا والاعتماد فيها على الصفة أعني عربيا وإلا فقرآنا جامدا لا يصلح للحالية وهو أيضا عين ذي الحال فلا يظهر حاله فالحال في الحقيقة عَرَبِيًّا وقرآنا للتمهيد ونظيره جاء زيد رجلا صالحا، قيل وذلك بمنزلة عربيا محققا.
وجوز أن يكون منصوبا بمقدر تقديره أعني أو أخص أو أمدح ونحوه، وأن يكون مفعول يَتَذَكَّرُونَ وهو كما ترى غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لا اختلال فيه بوجه من الوجوه وهو أبلغ من مستقيم لأن عوجا نكرة وقعت في سياق النفي لما في غير من معناه، والاستقامة يجوز أن تكون من وجه دون وجه ونفي مصاحبة العوج عنه يقتضي نفي اتصافه به بالطريق الأولى فهو أبلغ من غير معوج، والعوج بالكسر يقال فيما يدرك بفكر وبصيرة والعوج بالفتح يقال فيما يدرك بالحس، وعبر بالأول ليدل على أنه بلغ إلى حد لا يدرك العقل فيه عوجا فضلا عن الحس، وتمام الكلام مر في الكهف. وقيل المراد بالعوج الشك واللبس، وروي ذلك عن مجاهد وأنشدوا قول الشاعر:
وقد أتاك يقين غير ذي عوج | من الإله وقول غير مكذوب |