صفات للاسم الجليل كالعزيز العليم، وذكر غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ وذِي الطَّوْلِ للترغيب وذكر شَدِيدِ الْعِقابِ للترهيب والمجموع للحث على المقصود من تَنْزِيلُ الْكِتابِ وهو المذكور بعد من التوحيد والإيمان بالبعث المستلزم للإيمان بما سواهما والإقبال على الله تعالى، والأولان منها وإن كانا اسمي فاعل إلا أنهما لم يرد بهما التجدد ولا التقييد بزمان بل أريد بهما الثبوت والاستمرار فإضافتهما للمعرفة بعدهما محضة اكسبتهما تعريفا فصح أن يوصف بهما أعرف المعارف، والأمر في ذِي الطَّوْلِ ظاهر جدا. نعم الأمر في شَدِيدِ الْعِقابِ مشكل فإن شديدا صفة مشبهة وقد نص سيبويه على أن كل ما أضافته غير محضة إذا أضيف إلى معرفة جاز أن ينوي بإضافته التمحض فيتعرف وينعت به المعرفة إلا ما كان من باب الصفة المشبهة فإنه لا يتعرف ومن هنا ذهب الزجاج إلى أن شَدِيدِ الْعِقابِ بدل، ويرد عليه أن في توسيط البدل بين الصفات تنافرا بينا لأن الوصف يؤذن بأن الموصوف مقصود والبدل بخلافه فيكون بمنزلة استئناف القصد بعد ما جعل غير مقصود، والجواب أنه إنما يشكل ظاهرا على مذهب سيبويه وسائر البصريين القائلين بأن الصفة المشبهة لا تتعرف أصلا بالإضافة إلى المعرفة، وأما على مذهب الكوفيين القائلين بأنها كغيرها من الصفات قد تتعرف بالإضافة ويجوز وصف المعرفة بها نحو مررت بزيد حسن الوجه فلا، ويقال فيما ذكر على المذهب الأول: إن «شديدا» مؤول بمشدد اسم فاعل من أشده جعله شديدا كأذين بمعنى مؤذن فيعطي حكمه، أو يقال: إنه معرف بأل والأصل الشديد عقابه لكن حذفت لأمن اللبس بغير الصفة لوقوعه بين الصفات واحتمال كونه بدلا وحده لا يلتفت على ما سمعت إليه ورعاية لمشاكلة ما معه من الأوصاف المجردة منها والمقدر في حكم الموجود، وقد غيروا كثيرا من كلامهم عن قوانينه لأجل المشاكلة حتى قالوا: ما يعرف سحادليه من عنادليه أرادوا ما يعرف ذكره من أنثييه فثنوا ما هو وتر لأجل ما هو شفع، وجوز كون جميع التوابع المذكورات أبدالا وتعمد تنكير شَدِيدِ الْعِقابِ وإبهامه للدلالة على فرط الشدة وعلى ما لا شيء أدهى منه وأمر لزيادة الإنذار. وفي الكشف جعل كلها إبدالا فيه تنافر عظيم لا سيما في إبدال الْعَزِيزِ من اللَّهِ الاسم الجامع لسائر الصفات العلم النص وأين هذا من براعة الاستهلال؟ وذهب مكي إلى جواز كون غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ دون ما قبلهما بدلين وأنهما حينئذ نكرتان، وقد علمت ما فيه مما تقدم، وقال أبو حيان: إن بدل البداء عند من أثبته قد يتكرر وأما بدل كل من كل وبدل بعض من كل وبدل اشتمال فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها أو منعه إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل من البدل جائز دون تعدد البدل واتحاد المبدل منه، وظاهر كلام الخفاجي أن النحاة صرحوا بجواز تعدده حيث قال: لا يرد على القول بالإبدال قلة البدل في المشتقات، ولا أن النكرة لا تبدل من المعرفة ما لم توصف، ولا أن تعدد البدل لم يذكره النحاة كما قيل لأن النحاة صرحوا بخلافه في الجميع، وللدماميني فيه كلام طويل الذيل في أول شرح الخزرجية لا يسعه هذا المقام فإن أردته فانظر فيه انتهى.
وعندي أن الإبدال هنا ليس بشيء كلا أو بعضا، والتَّوْبِ يحتمل أن يكون مصدرا كالأوب بمعنى الرجوع ويحتمل أن يكون اسم جمع لتوبة كتمر وتمرة، والطَّوْلِ الفضل بالثواب والإنعام أو بذلك وبترك العقاب المستحق كما قيل وهو أولى من تخصيصه بترك العقاب وإن وقع بعد شَدِيدِ الْعِقابِ وكون الثواب موعودا فصار كالواجب فلا يكون فضلا ليس بشيء فإن الوعد به ليس بواجب، وفسره ابن عباس بالسعة والغنى، وقتادة بالنعم، وابن زيد بالقدرة، وتوسيط الواو بين غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ لإفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل سبحانه توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وأن يجعلها محاءة للذنب كأنه لم يذنب كأنه قيل: جامع المغفرة والقبول


الصفحة التالية
Icon