إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلته في العظمة، وإفراد الكاف لما أن المراد ليس تعيين المخاطبين، وهو مبتدأ خبره ما بعده أي ذلك العظيم الشأن الذي فعل ما ذكر في مدة يسيرة رَبُّ الْعالَمِينَ أي خالق جميع الموجودات ومربيها دون الأرض خاصة فكيف يتصور أن يكون شيء من مخلوقاته ندا له عزّ وجلّ، وقوله تعالى: وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ على ما اختاره غير واحد عطف على خَلَقَ الْأَرْضَ داخل في حكم الصلة، ولا ضير في الفصل بينهما بالجملتين المذكورتين لأن الأولى متحدة بقوله تعالى:- تكفرون- بمنزلة إعادتها والثانية معترضة مؤكدة لمضمون الكلام فالفصل بهما كلا فصل، وفيه بلاغة من حيث المعنى لدلالته على أن المعطوف عليه أن خَلَقَ الْأَرْضَ كاف في كونه تعالى رب العالمين وأن لا يجعل له ند فكيف إذا انضمت إليه هذه المعطوفات.
وتعقب بأن الاتحاد لا يخرجه عن كونه فاصلا مشوشا للذهن مورثا للتعقيد فالحق والأقرب أن تجعل الواو اعتراضية وكل من الجملتين معترض ليندفع بالاعتراض الاعتراض أو يجعل ابتداء كلام بناء على أنه يصدر بالواو أو يقال:
هو معطوف على مقدر كخلق، واختار هذا الأخير صاحب الكشف فقال: أوجه ما ذكر فيه أنه عطف على مقدر بعد رَبُّ الْعالَمِينَ أي خلقها وجعل فيها رواسي فكأنه ساق قوله تعالى: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ أولا ردا عليهم في كفرهم ثم ذكره ثانيا تتميما للقصة وتأكيدا للإنكار، وليس سبيل قوله سبحانه: ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ سبيل الاعتراض حتى تجعل الجملة عطفا على الصلة ويعتذر عن تخلل تَجْعَلُونَ عطفا على (تكفرون) باتحاده بما قبله على أسلوب وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: ٢١٧] وذلك لأنه مقصود لذاته في هذا المساق وهو ركن للإنكار مثل قوله تعالى: بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ وأكد على ما لا يخفى على ذي بصيرة.
والرواسي الجبال من رسا إذا ثبت، والمراد بجعلها إبداعها بالفعل، وفي الإرشاد المراد تقدير الجعل لا الجعل بالفعل، وقوله تعالى: مِنْ فَوْقِها متعلق بجعل أو بمحذوف صفة لراوسي أي كائنة من فوقها والضمير للأرض وفي ذلك استخدام على ما قيل في المراد منها لأن الجبال فوق الأرض المعروفة لا فوق جميع الأجسام السفلية والبسائط العنصرية، وفائدة مِنْ فَوْقِها الإشارة إلى أنها جعلت مرتفعة عليها لا تحتها كالأساطين ولا مغروزة فيها كالمسامير لتكون منافعها معرضة لأهلها ويظهر للنظار ما فيها من مراصد الاعتبار ومطارح الأفكار ولعمري إنّ في ارتفاعها من الحكم التكوينية ما تدهش منه العقول، والآية لا تأبى أن يكون في المغمور من الأرض في الماء جبالا كما لا يخفى والله تعالى أعلم.
وَبارَكَ فِيها أي كثر خيرها، وفي الإرشاد قدر سبحانه أن يكثر خيرها بأن يكثر فيها أنواع النباتات وأنواع الحيوانات التي من جملتها الإنسان وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أي بين كميتها وأقدارها، وقال في الإرشاد: أي حكم بالفعل بأن يوجد فيما سيأتي لأهلها من الأنواع المختلفة أقواتها المناسبة لها على مقدار معين تقتضيه الحكمة والكلام على تقدير مضاف، وقيل: لا يحتاج إلى ذلك والإضافة لأدنى ملابسة، وإليه يشير كلام السدي حيث قال: أضاف الأقوات إليها من حيث هي فيها وعنها برزت، وفسر مجاهد الأقوات بالمطر والمياه.
وفي رواية أخرى عنه وإليه ذهب عكرمة والضحاك أنها ما خص به كل إقليم من الملابس والمطاعم والنباتات ليكون الناس محتاجين بعضهم لبعض وهو مقتض لعمارة الأرض وانتظام أمور العالم، ويؤيد هذا قراءة بعضهم «وقسم فيها أقواتها» فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ متعلق بحصول الأمور المذكورة لا بتقديرها على ما في إرشاد العقل السليم، والكلام على تقدير مضاف أي قدر حصولها في تتمة أربعة أيام وكان الزجاج يعلقه- بقدر- كما هو رأي الإمام أبي حنيفة في


الصفحة التالية
Icon