مسترق، ويمكن أن يقال: إنه سبحانه يخلق الكيفية التي بها يقبل الهواء الإحراق في الهواء الذي في جهة الشيطان، ولعل قرب الشيطان من بعض أجزاء مخصوصة من الهواء معد بخاصية أحدثها الله تعالى فيه لخلقه عز وجل تلك الكيفية في ذلك الهواء القريب منه مع أنه عز وجل يخلق تلك الكيفية في بعض أجزاء الهواء الجوية حيث لا شيطان هناك أيضا.
وإن شئت قلت: إنه يخرج شؤبوب من شعاع الكوكب فيتأذى به المارد أو يحترق، والله عز وجل قادر على أن يحرق بالماء ويروى بالنار والمسببات عند الأسباب لا بها وكل الأشياء مسندة إليه تعالى ابتداء عند الأشاعرة، ولا يلزم على شيء مما ذكر انتقاص ضوء الكوكب، ولو سلم أنه يلزم انتقاص على بعض الاحتمالات قلنا: إنه عز وجل يخلق بلا فصل في الكوكب بدل ما نقص منه وأمره سبحانه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
ولا ينافي ما ذكرنا قوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك: ٥] لأن جعلها رجوما يجوز أن يكون لأنه بواسطة وقوع إشعاع على ما ذكرنا من الهواء تحدث الشهب فهي رجوم بذلك الاعتبار ولا يتوقف جعلها رجوما على أن تكون نفسها كذلك بأن تنقلع عن مراكزها ويرجم بها، وهذا كما تقول: جعل الله تعالى الشمس يحرق بها بعض الأجسام فإنه صادق فيما إذا أحرق بها بتوسيط بعض المناظر وانعكاس شعاعها على قابل الإحراق. وزعم بعض الناس أن الشهب شعل نارية تحدث من أجزاء متصاعدة إلى كرة النار وهي الرجوم ولكونها بواسطة تسخين الكواكب للأرض قال سبحانه: وَجَعَلْناها رُجُوماً على التجوز في إسناد الجعل إليها أو في لفظها، ولا يخفى أن كرة النار مما لم تثبت في كلام السلف ولا ورد فيها عن الصادق عليه الصلاة والسلام خبر، وقيل:
يجوز أن تكون المصابيح هي الشهب وهي غير الكواكب وزينة والسماء بالمصابيح لا يقتضي كونها فيها حقيقة إذ يكفي كونها في رأي العين ذلك، وقيل: يجوز أن يراد بالسماء جهة العلو وهي مزينة بالمصابيح والشهب كما هي مزينة بالكواكب. وتعقب هذا بأن وصف السماء بالدنيا يبعد إرادة الجهة منها. وتعقب ما قبله بأن المتبادر أن المصابيح هي الكواكب ولا يكاد يفهم من قوله تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وقوله سبحانه:
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ إلا شيء واحد، وأن كون الشهب المعروفة زينة السماء مع سرعة تقضيها وزوالها وربما دهش من بعضها مما لا يسلم، والقول بأنه يجوز اطلاق الكوكب على الشهاب للمشابهة فيجوز أن يراد بالكواكب ما يشمل الشهب وزينة السماء على ما مر آنفا زيد فيه على ما تقدم ما لا يخفى ما فيه، نعم يجوز أن يقال:
إن الكوكب ينفصل منه نور إذا وصل إلى محل مخصوص من الجو انقلب نارا ورؤى منقضا ولا يعجز الله عز وجل شيء، وقد يقال: إن في السماء كواكب صغارا جدا غير مرئية ولو بالأرصاد لغاية الصغر وهي التي يرمي بها أنفسها، وقوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ من باب عندي درهم ونصفه وإِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً الآية إن كان على معنى وحفظا بها فهو من ذلك الباب أيضا وإلا فالأمر أهون فتدبر. واختلف في أن المرجوم هل يهلك بالشهاب إذا أصابه أو يتأذى به من غير هلاك فعن ابن عباس أن الشياطين لا تقتل بالشهاب ولا تموت ولكنها تحرق وتخبل أي يفسد منها بعض أعضائها، وقيل تهلك وتموت ومتى أصاب الشهاب من اختطف منهم كلمة قال للذي يليه كان كذا وكذا قبل أن يهلك، ولا يأبى تأثير الشهاب فيهم كونهم مخلوقين من النار لأنهم ليسوا من النار الصرفة كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها، وأيا ما كان لا يقال: إن الشياطين ذوو فطنة فكيف يعقل منهم العود إلى استراق السمع مرة بعد مرة مع أن المسترق يهلك أو يتأذى الأذى الشديد واستمرار انقضاض الشهب دليل استمرار هذا الفعل


الصفحة التالية
Icon