وَقالُوا إِنْ هذا ما يرونه من الآيات الباهرة إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر سحريته في نفسه. أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أي كان بعض أجزائنا ترابا وبعضها عظاما، وتقديم التراب لأنه منقلب عن الأجزاء البادية، وإذا إما شرطية وجوابها محذوف دل عليه قوله تعالى: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أي نبعث وفي عاملها الكلام المشهور، وإما متمحضة للظرفية فلا جواب لها ومتعلقها محذوف يدل عليه ذلك أيضا لا هو لأن ما بعد إن واللام لا يعمل فيما قبله أي أنبعث إذا متنا، وإن شئت فقدره مؤخرا فتقديم الظرف لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه إلى حالة منافية له غاية المنافاة، وكذا تكرير الهمزة للمبالغة والتشديد في ذلك وكذا تحلية الجملة بأن، واللام لتأكيد الإنكار لا لإنكار التأكيد كما يوهمه ظاهر النظم الكريم فإن تقديم الهمزة لاقتضائها الصدارة. وقرأ ابن عامر بطرح الهمزة الأولى. وقرأ نافع والكسائي ويعقوب بطرح الثانية أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ مبتدأ حذف خبره لدلالة خبر أن عليه أي أو آباؤنا الأولون مبعوثون أيضا والجملة معطوفة على الجملة قبلها. وهذا أحد مذاهب في نحو هذا التركيب. وظاهر كلام أبي حيان في شرح التسهيل أن حذف الخبر واجب فقد قال: قال من نحا إلى هذا المذهب: الأصل في هذه المسألة عطف الجمل إلا أنهم لما حذفوا الخبر لدلالة ما قبل عليه أنابوا حرف العطف مكانه ولم يقدروا إذ ذاك الخبر المحذوف في اللفظ لئلا يكون جمعا بين العوض والمعوض عنه فأشبه عطف المفردات من جهة أن حرف العطف ليس بعده في اللفظ إلا مفرد. وثاني المذاهب أن يكون معطوفا على الضمير المستتر في خبر إن إن كان مما يتحمل الضمير وكان الضمير مؤكدا أو كان بينه وبين المعطوف فاصل ما وإلا ضعف العطف. ونسب ابن هشام هذا المذهب والذي قبله إلى المحققين من البصريين. وفي تأتيه هنا من غير ضعف للفصل بالهمزة بحث فقد قال أبو حيان: إن همزة الاستفهام لا تدخل على المعطوف إلا إذا كان جملة لئلا يلزم عمل ما قبل الهمزة فيما بعدها وهو غير جائز لصدارتها. والجواب بأن الهمزة هنا مؤكدة للاستبعاد فهي في النية مقدمة داخلة على الجملة في الحقيقة لكن فصل بينهما بما فصل قد بحث فيه بأن الحرف لا يكرر للتوكيد بدون مدخوله والمذكور في النحو أن الاستفهام له الصدر من غير فرق بين مؤكد ومؤسس مع أن كون الهمزة في نية التقديم يضعف أمر الاعتداد بالفصل بها لا سيما وهي حرف واحد فلا يقاس الفصل بها على الفصل بلا في قوله تعالى: ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا [الأنعام: ١٤٨].
وثالثها أن يكون عطفا على محل إن مع ما عملت فيه، والظاهر أنه حينئذ من عطف الجمل في الحقيقة، ورابعها أن يكون عطفا على محل اسم إن لأنه كان قبل دخولها في موضع رفع، والظاهر أنه حينئذ من عطف المفردات.


الصفحة التالية
Icon