سهل فيما نقله الحاكم: إنه لا ينكره إلا أهل الزيغ، وفيه غير إسناد، وليس تكون الولد على الوجه المعهود في الدنيا بل يكون كما نطق به الحديث ومتى كان كذلك فلا يستبعد تكونه من نسيم يخرج وقت الجماع، وزعم أن الولد إنما يخلق من المني فحيث لا مني في الجنة كما جاء في الأخبار لا خلق فيه تعجيز للقدرة، ولا ينافي ذلك ما في حديث لقيط لأن المراد هناك نفي التوالد المعهود في الدنيا كما يشير إليه وقوع غير أن لا توالد بعد قوله عليه الصلاة والسلام: مثل لذاتكم في الدنيا، ويقال نحو ذلك في حديث أبي رزين جمعا بين الأخبار، ثم إن التوالد ليس على سبيل الاستمرار بل هو تابع للاشتهاء ولا يلزم استمراره فالقول بأنه إن استمر لزم وجود أشخاص لا نهاية لها وإن انقطع لزم انقطاع نوع من لذة أهل الجنة ليس بشيء، وما قيل: إنه
قد ثبت في الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «يبقى في الجنة فضل فينشىء الله تعالى لها خلقا يسكنهم إياها»
ولو كان في الجنة إيلاد لكان الفضل لأولادهم الملازمة فيه ممنوعة لجواز أن يقال من يشتهي الولد يشتهي أن يكون معه في منزله، والقول بأن التوالد في الدنيا لحكمة بقاء النوع وهو باق في الجنة بدون توالد فيكون عبثا يرد عليه أنه ما المانع من أن يكون هناك للذة ونحوها كالأكل والشرب فإنهما في الدنيا لشيء وفي الجنة لشيء آخر، وبالجملة ما ذكر لترجيح عدم الولادة من الوجوه مما لا يخفى حاله على من له ذهن وجيه.
وقرأ غير واحد من السبعة وغيرهم «ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين» بحذف الضمير العائد على ما من الجملتين المتعاطفتين، وفي مصحف عبد الله «ما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين» بالضمير فيهما، والقراءة به في الأول دون الثانية لأبي جعفر وشيبة ونافع وابن عامر وحفص وَأَنْتُمْ فِيها أي في الجنة، وقيل: في الملاذ المفهومة مما تقدم وهو كما ترى خالِدُونَ دائمون أبد الآبدين، والجملة داخلة في حيز النداء وهي كالتأكيد لقوله تعالى: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ونودوا بذلك إتماما للنعمة وإكمالا للسرور فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال ومستعقب للتحسر في ثاني الأحوال، ولله تعالى در القائل:

وإذا نظرت فإن بؤسا زائلا للمرء خير من نعيم زائل
وعن النصرآباذي أنه إن كان خلودهم لشهوة الأنفس ولذة الأعين فالفناء خير من ذلك وإن كان لفناء الأوصاف والاتصاف بصفات الحق والمقام فيها على سرر الرضا والمشاهدة فانتم إذا أنتم، وأنت تعلم أن ما ذكره يدخل في عموم ما تقدم دخولا أوليا، وذكر بعضهم هنا أن الخطاب هنا من باب الالتفات وأنه للتشريف.
وقال الطيبي: ذق مع طبعك المستقيم معنى الخطاب والالتفات وتقديم الظرف في وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ لتقف على ما لا يكتنهه الوصف وَتِلْكَ الْجَنَّةُ مبتدأ وخبر وقوله تعالى: الَّتِي أُورِثْتُمُوها صفة الجنة وقوله سبحانه بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ متعلق بأورثتموها، وقيل: تِلْكَ الْجَنَّةُ مبتدأ وصفة والَّتِي أُورِثْتُمُوها الخبر والجار بعده متعلق به، وقيل: تلك مبتدأ والجنة صفتها والتي أورثتموها صفة الجنة وبما كنتم متعلق بمحذوف هو الخبر.
والإشارة على الوجه الأول إلى الجنة المذكورة في قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ وعلى الأخيرين إلى الجنة الواقعة صفة على ما قيل، والباء للسببية أو للمقابلة، وقد شبه ما استحقوه بأعمالهم الحسنة من الجنة ونعيمها الباقي لهم بما يخلفه المرء لوارثه من الأملاك والأرزاق ويلزمه تشبيه العمل نفسه بالمورث اسم فاعل فاستعير الميراث لما استحقوه ثم اشتق أورثتموها فيكون هناك استعارة تبعية، وقال بعض: الاستعارة تمثيلية.
وجوز أن تكون مكنية، وقيل: الإرث مجاز مرسل للنيل والأخذ،
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار فالكافر يرث المؤمن منزله في النار والمؤمن


الصفحة التالية
Icon