إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا استشكل ذلك لما أنه استثناء مفرغ وقد قالوا: لا يجوز تفريغ العامل إلى المفعول المطلق المؤكد فلا يقال: ما ضربت إلا ضربا لأنه بمنزلة ما ضربت إلا ضربت، وقال الرضي: إن الاستثناء المفرغ يجب أن يستثنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدخل فيه المستثنى بيقين ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملا مع الظن غيره حتى يخرج الظن منه، وكذا يقال في ما ضربت إلّا ضربا ونحوه وهذا مراد من قال: إنه من قبيل استثناء الشيء من نفسه. واختلفوا في حله فقيل: إن معنى ما نظن ما نفعل الظن كما في نحو قيم وقعد وحينئذ يصح الاستثناء ويتغاير مورد النفي والإيجاب من حيث التقدير والتجوز في الاستثناء من العام المقدر وجعل نَظُنُّ في معنى نفعل الفعل لا نفعل الظن كأنه قيل: ما نفعل فعلا إلا الظن، وكذا يقال في أمثاله ومنها قول الأعشى:
وحل به الشيب أثقاله | وما اغتره الشيب إلا اغترارا |
وتعقب بأنه ليس بشيء لأنه إذا تجرد الفعل لمعنى عام صار الشمول محققا على أن عدم كفاية الشمول الفرضي غير مسلم كما يعرفه من يتتبع موارده، وذهب ابن يعيش. وأبو البقاء إلى أنه على القلب والتقديم والتأخير الأصل إن نحن إلا نظن ظنا وحكي ذلك عن المبرد، وقد حمل عليه ما حكاه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه من قول العرب: ليس الطيب إلا المسك بالرفع فقال: الأصل ليس إلا الطيب المسك ليكون اسم ليس ضمير الشأن وما بعد إلا مبتدأ وخبرا في موضع الخبر لها، ورده الرضي وقال: إنه تكلف لما فيه من التعقيد المخلّ بالفصاحة.
والمثال المحكي وارد على لغة بني تميم فإنهم عاملوا ليس معاملة ما فأهملوها لانتقاض النفي بإلا، وقيل ظَنًّا مفعول مطلق لفعل محذوف والمستثنى محذوف والتقدير إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا.
وحكي عن المبرد أيضا وفيه حذف إن واسمها وخبرها وإبقاء المصدر وذلك لا يجوز، وفيه أيضا من التعقيد المخل بالفصاحة ما فيه، ولا أظن صحة حكايته عن المبرد لغاية برودته، وجوز صاحب التقريب أن يكون المراد إن نظن إلا ظنا ضعيفا فهو مصدر مبين للنوع حذفت صفته كما صرح به في البحر لا مؤكد، وهذا يوافق ما ذكره الإمام السكاكي في بحث أن التنكير قد يكون للتحقير. وتعقب بأن قوله تعالى: وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ يأباه فإن مقابل الاستيقان مطلق الظن لا الضعيف منه، وقد صرح غير واحد بأن هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها والمراد بها استمرار النفي وتأكيده، قيل: والمعنى وما نحن بمستيقنين إمكان الساعة أي لا نتيقن إمكانها أصلا فضلا عن تحقق وقوعها المدلول عليه بقوله تعالى: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها فقولهم ذلك رد لهذا، ولعل المثبتين لأنفسهم