المقتضي له المعنى المقصود من العرض في المثال وهو الميل إلى المعروض، ومن لم ينظر إلى هذا المعنى ونظر إلى أن المعرض يتحرك إلى المعروض عليه قال إنه الأصل، ومن لم ينظر إلى الاعتبارين وقال العرض إظهار شيء لشيء قال إن كلّا من القولين على الأصل، وهو كما قال العلامة السالكوتي الحق لأن كلا الاعتبارين خارج عن مفهوم العرض فاحفظه فإنه نفيس.
والظرف منصوب بقول محذوف مقوله قوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ إلى آخره أي فيقال لهم يوم يعرضون أذهبتم لذاتكم فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا باستيفائها وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فلم يبق لكم بعد شيء منها، وهو عطف تفسير لأذهبتم، وقرأ قتادة ومجاهد وابن وثاب وأبو جعفر والحسن والأعرج وابن كثير «آذهبتم» بهمزة بعدها مدة مطولة، وابن عامر بهمزتين حققهما ابن ذكوان ولين الثانية ابن هشام. وابن كثير في رواية، وعن هشام الفصل بين المحققة والملينة بألف، والاستفهام على معنى التوبيخ فهو خبر في المعنى ولو كان استفهاما محضا لم تدخل الفاء في قوله سبحانه:
فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أي الهوان وكذلك قرىء بِما كُنْتُمْ في الدنيا تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ بغير استحقاق لذلك، وقد مر بيان سر فِي الْأَرْضِ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ أي تخرجون من طاعة الله عزّ وجلّ أي بسبب استكباركم وفسقكم المستمرين، وفي البحر أريد بالاستكبار الترفع عن الإيمان وبالفسق معاصي الجوارح وقدم ذنب القلب على ذنب الجوارح إذ أعمال الجوارح ناشئة عن مراد القلب، وقرىء «تفسقون» بكسر السين وهذه الآية محرضة على التقلل من الدنيا وترك التنعم فيها والأخذ بالتقشف، أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر أن عمر رضي الله تعالى عنه رأى في يد جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه درهما فقال ما هذا الدرهم؟ قال: أريد أن أشتري به لأهلي لحما قرموا إليه فقال أكلما اشتهيتم شيئا اشتريتموه أين تذهب عنكم هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها.
وأخرج ابن المبارك وابن سعد وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبو نعيم في الحلية عن الحسن قال قدم وفد أهل البصرة على عمر رضي الله تعالى عنه مع أبي موسى الأشعري فكان له في كل يوم خبز يلت فربما وافقناه مأدوما بزيت وربما وافقناه مأدوما بسمن وربما وافقناه مأدوما بلبن وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي عليها وربما وافقنا اللحم الغريض- أي الطري- وهو قليل قال وقال لنا عمر رضي الله تعالى عنه: إني والله ما أجهل عن كراكر والأسنمة وعن صلاء وصناب وسلائق ولكن وجدت الله تعالى عير قوما بأمر فعلوه فقال عزّ وجلّ: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها، والكراكر جمع كركرة بالكسرة زور البعير الذي إذا برك أصاب الأرض وهو من أطيب ما يؤكل منه والأسنمة جمع سنام معروف. والصلاء بالكسر والمد الشواء، والصناب ككتاب صباغ يتخذ من الخردل والزبيب، والسلائق جمع سليقة كسفينة ما سلق من البقول وغيرها ويروى بالصاد الخبز الرقاق واحدتها صليقة كسفينة أيضا، وقيل: هي الحملان المشوية، وقيل: اللحم المشوي المنضج وأنشدوا لجرير:

يكلفني معيشة آل زيد ومن لي بالصلائق والصناب
وأخرج أحمد، والبيهقي في شعب الإيمان عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سافر آخر عهده من أهله بفاطمة وأول من يدخل عليه منهم فاطمة رضي الله تعالى عنها فقدم من غزاة له فأتاها فإذا بمسح على بابها ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضة فرجع ولم يدخل عليها فلما رأت ذلك ظنت أنه لم يدخل من أجل ما رأى فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكيا فقسمت ذلك بينهما فانطلقا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهما يبكيان فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهما فقال يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان أهل بيت بالمدينة واشتر لفاطمة


الصفحة التالية
Icon