مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ إلى آخره استئناف مسوق لشرح إيذانا بأن الإيمان والعمل الصالح من باب التقوى الذي هو عبارة عن فعل الواجبات وترك السيئات، والمثل الوصف العجيب الشأن وهو مبتدأ باتفاق المعربين، واختلف في خبره فقيل محذوف فقال النضر بن شميل: تقديره ما تسمعون، وقوله عزّ وجلّ: فِيها أَنْهارٌ إلى آخره مفسر له، وقال سيبويه: تقديره فيما يتلى عليكم أو فيما قصصنا عليك ويقدر مقدما وفِيها أَنْهارٌ إلخ بيان لذلك المثل، وقدره ابن عطية ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف وليس بذاك، ولعل الأنسب بصدر النظم الكريم تقدير النضر، وقيل: هو مذكور فقيل هو قوله تعالى: فِيها أَنْهارٌ إلخ على معنى مثل الجنة وصفتها مضمون هذا الكلام ولا يحتاج مثل هذا الخير إلى رابط.
وقيل هذه الجملة هي الخبر إلا أن لفظ مَثَلُ زائد زيادة اسم في قول من قال:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما فالمبتدأ في الحقيقة هو المضاف إليه فكأنه قيل: الجنة فيها أنهار إلخ وليس بشيء، وقيل: الخبر قوله تعالى الآتي: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط الكلام فيه.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وعبد الله والسلمي «أمثال الجنة»
أي صفاتها، قال ابن جني: وهذا دليل على أن قراءة العامة بالتوحيد معناها الكثرة لما في مثل من معنى المصدرية ولذا جاز مررت برجل مثل رجلين وبرجلين مثل رجال وبامرأة مثل رجل،
وعن علي كرم الله تعالى وجهه أيضا أنه قرىء «مثال الجنة»
ومثال الشيء في الأصل نظيره الذي يقابل به.
مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ أي غير متغير الطعم والريح لطول مكث ونحوه، وماضيه أسن بالفتح من باب ضرب ونصر وبالكسر من باب علم حكى ذلك الخفاجي عن أهل اللغة. وفي البحر أسن الماء تغير ريحه يأسن ويأسن ذكره ثعلب في الفصيح، والمصدر أسون، وأسن بكسر السين يأسن بفتحها لغة أسنا قاله اليزيدي، وأسن الرجل بالكسر لا غير إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة منها فغشي عليه أو دار رأسه ومنه قول الشاعر:
قد أترك القرن مصفرا أنامله | يميد في الريح ميد المائح الأسن |