عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظن أن أمره كان خافيا على أجلة المسلمين إذا ذاك ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لم يسعهم إلا الصبر ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولو سلّم أن الخبيث كان مسلما فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه، ويلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة فلعنة الله عز وجل عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومن مال إليهم إلى يوم الدين ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين، ويعجبني قول شاعر العصر ذو الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصل وقد سئل عن لعن يزيد اللعين:
يزيد على لعني عريض جنابه | فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا |
وذهب أبو حيان وجماعة إلى أنها منقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال من التوبيخ بترك التدبر إلى التوبيخ بكون قلوبهم مقفلة لا تقبل التدبر والتفكر، والهمزة للتقرير، وتنكير القلوب لتهويل حالها وتفظيع شأنها وأمرها في القساوة والجهالة كأنه قيل: على قلوب منكرة لا يعرف حالها ولا يقادر قدرها في القساوة وقيل: لأن المراد قلوب بعض منهم وهم المنافقون فتنكيرها للتبعيض أو للتنويع كما قيل، وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أنها أقفال مخصوصة بها مناسبة لها غير مجانسة لسائر الأقفال المعهودة، وقرى «إقفالها» بكسر الهمزة، وهو مصدر من الأفعال و «أقفلها» بالجمع على أفعل.
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر، قال ابن عباس، وغيره: نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم، وفي إرشاد العقل السليم هم المنافقون الذين وصفوا فيما سلف بمرض القلوب وغيره من قبائح الأحوال فإنهم قد كفروا به عليه الصلاة والسلام مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى بالدلائل الظاهرة والمعجزات الباهرة القاهرة.
وأخرج عبد الرزاق، وجماعة عن قتادة أنه قال: هم أعداء الله تعالى أهل الكتاب يعرفون بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم ويجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ثم يكفرون به عليه الصلاة والسلام. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال:
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا إلخ اليهود ارتدوا عن الهدى بعد أن عرفوا أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم نبي، والمختار ما تقدم، وأيّا ما كان فالموصول اسم ان وجملة قوله تعالى: الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ خبرها كقولك: إن زيدا عمرو مر به أي سهل لهم ركوب العظائم من السول بفتحتين وهو الاسترخاء استعير للتسهيل أي لعده سهلا هينا حتى لا يبالى به كأنه شبه بإرخاء ما كان مشدودا، وقيل: أي حملهم على الشهوات من السول وهو التمني، وأصله حملهم على سؤلهم أي ما يشتهونه