وقال أبو حيان: الذي أقوله إن هذه الأقوال تمثيلات من قائلها لا تعيين القوم، وهذا وإن حصل به الجمع بين تلك الأقوال خلاف الظاهر، وقوله تعالى: تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ على معنى يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام لا ثالث لهما، فأو للتنويع والحصر لا للشك وهو كثير، ويدل لذلك قراءة أبي وزيد بن علي «أو يسلموا» بحذف النون لأن ذلك للناصب وهو يقتضي أن أو بمعنى إلا أي إلا أن يسلموا فيفيد الحصر أو بمعنى إلى أي إلى أن يسلموا، والغاية تقتضي أنه لا ينقطع القتال بغير الإسلام فيفيده أيضا كما قيل: والجملة مستأنفة للتعليل كما في قولك: سيدعوك الأمير يكرمك أو يكبت عدوك، قال في الكشف: ولا يجوز أن تكون صفة لقوم لأنهم دعوا إلى قتال القوم لا أنهم دعوا إلى قوم موصوف بالمقاتلة أو الإسلام.
وجوز بعضهم كونها حالية وحاله كحال الوصفية، وأصل الكلام ستدعون إلى قوم أولي بأس لتقاتلوهم أو يسلموا فعدل إلى الاستئناف لأنه أعظم الوصلين، ثم فيه أنهم فعلوا ذلك وحصلوا الغرض فهو يخبر عنه واقعا.
والاعتراض بأنه يلزم أن لا ينفك الوجود عن أحدهما لصدق إخباره تعالى ونحن نرى الانفكاك بأن يتركوا سدى أو بالهدنة فينبغي أن يؤول بأنه في معنى الأمر على ما في أمالي ابن الحاجب غير سديد لأن القوم مخصوصون لا عموم فيهم، وكان الواقع أنهم قوتلوا إلى أن أسلموا سواء فسر القوم ببني حنيفة أو بثقيف وهوازن أو فارس والروم على أن الإسلام الانقياد فما انفك الوجود عن أحدهما وقعا، وأما امتناع الانفكاك فليس من مقتضى الوضع ولا الاستعمال بل ذلك في الكلام الاستدلالي قد يتفق.
وأطال الطيبي الكلام في هذا المقام ثم قال: الذي يقتضيه المقام ما ذهب إليه صاحب التحبير من أن يُسْلِمُونَ عطف على تُقاتِلُونَهُمْ إما على الظاهر أو بتقديرهم يسلمون ليكون من عطف الاسمية على الفعلية وحينئذ تكون المناسبة أكثر إذ تخرج الجملة إلى باب الكناية، والمعنى تقاتلونهم أو لا تقاتلونهم لأنهم يسلمون، وقد وضع فيه أَوْ يُسْلِمُونَ
موضع أولا تقاتلونهم لأنهم إذا أسلموا سقط عنهم قتالهم ضرورة، والاستدعاء عليه ليس إلا للاختبار، وأَوْ للترديد على سبيل الاستعارة وفيه ما فيه، وشاع الاستدلال بالآية على صحة إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ووجه ذلك الإمام فقال: الداعي في قوله تعالى: سَتُدْعَوْنَ لا يخلو من أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو الأئمة الأربعة أو من بعدهم لا يجوز الأول لقوله سبحانه قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا إلخ ولا أن يكون عليا رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه لأنه إنما قاتل البغاة والخوارج وتلك المقاتلة للإسلام لقوله عز وجل: «أو يسلمون» ولا من ملك بعدهم لأنهم عندنا على الخطأ وعند الشيعة على الكفر ولما بطلت الأقسام تعين أن يكون المراد بالداعي أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم، ثم إنه تعالى أوجب طاعته وأوعد على مخالفته وذلك يقتضي إمامته وأي الثلاثة كان ثبت المطلوب، أما إذا كان أبا بكر فظاهر، وأما إذا كان عمر أو عثمان فلأن إمامته فرع إمامته رضي الله تعالى عنه. وتعقب بأن الداعي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويشعر بذلك السين قوله: لا يجوز لقوله سبحانه: لن تَتَّبِعُونا إلخ فيه أن لَنْ لا تفيد التأبيد على الصحيح وظاهر السياق يدل على أن المراد به لن تتبعونا في الانطلاق إلى خيبر كما سمعت عن محيي السنة أو هو مقيد بما روي عن مجاهد أو بما حكي عن بعض، وقال أبو حيان: القول بأنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس بصحيح فقد حضر كثير منهم مع جعفر في مؤتة وحضروا حرب هوازن معه عليه الصلاة والسلام وحضروا معه صلّى الله عليه وسلّم أيضا في سفرة تبوك انتهى، ولا يخفى أن هذا إذا صح ينفي حمل النفي على التأييد.
ومن الشيعة من اقتصر في رد الاستدلال على الدعوة في تبوك. وتعقب بأنه لم يقع فيها ما أخبر الله تعالى به في قوله سبحانه: تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ومنهم من زعم أن الداعي علي كرم الله تعالى وجهه وزعم كفر البغاة


الصفحة التالية
Icon