النافي والله تعالى أعلم وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ صفة رِجالٌ ونِساءٌ على تغليب المذكر على المؤنث. وكانوا على ما أخرج أبو نعيم بسند جيد. وغيره عن أبي جمعة جنبذ بن سبع تسعة نفر سبعة رجال وهو منهم وامرأتين، وقوله تعالى: أَنْ تَطَؤُهُمْ بدل اشتمال منهم وجوز كونه بدلا من الضمير المنصوب في تَعْلَمُوهُمْ واستبعده أبو حيان، والوطء الدوس واستعير هنا للإهلاك وهي استعارة حسنة واردة في كلامهم قديما وحديثا، ومن ذلك قول الحارث بن وعلة الذهلي:

ووطئتنا وطأ على حنق وطء المقيد نابت الهرم
وقوله صلّى الله عليه وسلّم من حديث: «وإن آخر وطأة وطئها الله تعالى بوج»
وقوله عليه الصلاة والسلام: «اللهم اشدد وطأتك على مضر»
فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ أي من جهتهم مَعَرَّةٌ أي مكروه ومشقة مأخوذ من العر والعرة وهو الجرب الصعب اللازم، وقال غير واحد: هي مفعلة من عره إذا عراه ودهاه ما يكره، والمراد بها هنا على ما روي عن منذر بن سعيد تعيير الكفار وقولهم في المؤمنين: إنهم قتلوا أهل دينهم، وقيل: التأسف عليهم وتألم النفس مما أصابهم.
وقال ابن زيد: المأثم بقتلهم. وقال ابن إسحق: الدية، قال ابن عطية: وكلا القولين ضعيف لأنه لا إثم ولا دية في قتل مؤمن مستور الإيمان بين أهل الحرب: وقال الطبري، هي الكفارة. وتعقب بعضهم هذا أيضا بأن في وجوب الكفارة خلافا بين الأئمة. وفي الفصول العمادية ذكر في تأسيس النظائر في الفقه قال أصحابنا: دار الحرب تمنع وجوب ما يندرىء بالشبهات لأن أحكامنا لا تجري في دارهم وحكم دارهم لا يجري في دارنا. وعند الشافعي دار الحرب لا تمنع وجوب ما يندرىء بالشبهات، بيان ذلك حربي أسلم في دار الحرب وقتل مسلما دخل دارهم بأمان لا قصاص عليه عندنا ولا دية وعند الشافعي عليه القصاص وعلى هذا لو أن مسلمين متسامنين دخلا دار الحرب وقتل أحدهما صاحبه لا قصاص عليه عندنا وعند الشافعي عليه ذلك، ثم ذكر مسألة مختلفا فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد فقال: إذا قتل أحد الأسيرين صاحبه في دار الحرب لا شيء عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا الكفارة لأنه تبع لهم فصار كواحد من أهل الحرب، وعند محمد تجب الدية لأن له حكم نفسه فاعتبر حكم نفسه على حدة انتهى.
ونقل عن الكافي أن من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا وقتله مسلم عمدا أو خطأ وله ورثة مسلمون ثم لا يضمن شيئا إن كان عمدا وإن كان خطأ ضمن الكفارة دون الدية انتهى وتمام الكلام في هذا المقام يطلب في محله، والزمخشري فسر المعرة بوجوب الدية والكفارة وسوء قالة المشركين والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير وهو كما نرى.
بِغَيْرِ عِلْمٍ في موضع الحال من ضمير المخاطبين في تَطَؤُهُمْ قيل ولا تكرار مع قوله تعالى لَمْ تَعْلَمُوهُمْ سواء كان أَنْ تَطَؤُهُمْ بدل اشتمال من رِجالٌ ونِساءٌ أو بدلا من المنصوب في لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أما على الثاني فلأن حاصل المعنى ولولا مؤمنون لم تعلموا وطأتهم وإهلاكهم وأنتم غير عالمين بإيمانهم لأن احتمال أنهم يهلكون من غير شعور مع إيمانهم سبب الكف فيعتبر فيه العلماء فمتعلق العلم في الأول الوطأة وفي الثاني أنفسهم باعتبار الإيمان، وأما على الأول فلأن قوله تعالى: بِغَيْرِ عِلْمٍ لما كان حالا من فاعل تَطَؤُهُمْ كان العلم بهم راجعا إلى العلم باعتبار الإهلاك كما تقول أهلكته من غير علم فلا الإهلاك من غير شعور ولا العلم بإيمانهم حاصل والأمران لكونهما مقصودين بالذات صرح بهما وإن تقاربا أو تلازما في الجملة.


الصفحة التالية
Icon