ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه بل عليهم أن يصغوا ولا يتكلموا.
ووجه الدلالة على هذا أن كلامه عليه الصلاة والسلام أريد به ما ينقله عنه تعالى ولفظه أيضا، وما اللفظ من الرسول صلّى الله عليه وسلّم وإن كان المعنى من الوحي أو أراد كلام كل واحد من الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام، وما أخرج عبد بن حميد. والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن مجاهد أنه قال في ذلك: لا تفتأتوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه يخرج على نحو التخريج الأول لكلام ابن عباس ويكون مؤيدا له، وبعضهم يروى أنه قال: لا تفتاتوا على الله تعالى شيئا حتى يقصه على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل مؤيدا لكلام ابن عباس أيضا، وفسر التقدم بين يدي الله تعالى لأن التقدم بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام مكشوف المعنى، ثم إن كل ذلك من باب بيان حاصل المعنى في الجملة.
وفي الدر المنثور بعد ذكر المروي عن مجاهد حسبما ذكرنا قال الحفاظ: هذا التفسير على قراءة «تقدموا» بفتح التاء والدال وهي قراءة لبعضهم حكاها الزمخشري وأبو حيان وغيرهما، وكأن ذلك مبني على أن تُقَدِّمُوا على هذه القراءة من قدم كعلم إذا مضى في الحرب ويأتي من باب نصر أيضا إذ الافتيات وهو السبق دون ائتمار من يؤتمر أنسب بذلك.
واختار بعض الأجلة جعله من قدم من سفره من باب علم لا غير كما يقتضيه عبارة القاموس، وعليه يكون قد شبه تعجيلهم في قطع الحكم في أمر من أمور الدين بقدوم المسافر من سفره إيذانا بشدة رغبتهم فيه نحو وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان: ٢٣] واختلف في سبب النزول، فأخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: «قدم ركب من بني تميم على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أمّر القعقاع بن معبد، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حتى انقضت الآية» وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن أن أناسا ذبحوا قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر فأمرهم عليه الصلاة والسلام أن يعيدوا ذبحا فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ، وفي الكشاف عنه أن أناسا ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة فنزلت وأمرهم صلّى الله عليه وسلّم أن يعيدوا ذبحا آخر، والأول ظاهر في أن النزول بعد الأمر والذبح قبل الصلاة يستلزم الذبح قبل رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان ينحر بعدها كما نطقت به الأخبار، وإلى عدم الاجزاء قبل ذهب الإمام أبو حنيفة والأخبار تؤيده،
أخرج الشيخان والترمذي وأبو داود والنسائي عن البراء قال: «ذبح أبو بردة بن نيار قبل الصلاة فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أبدلها فقال: يا رسول الله ليس عندي إلا جذعة فقال صلّى الله عليه وسلّم: اجعلها مكانها ولن تجزي عن أحد بعدك»
وفي رواية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء»
وكان أبو بردة بن نيار قد ذبح قبل الصلاة الحديث، وفي المسألة كلام طويل محله كتب الفروع فراجعه إن أردته، وعن الحسن أيضا لما استقر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة أتته الوفود من الآفاق فأكثروا عليه بالمسائل فنهوا أن يبتدئوه بالمسألة حتى يكون عليه الصلاة والسلام هو المبتدئ، وأخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال: ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا وكذا لكان كذا وكذا فكره الله تعالى ذلك وقدم فيه.
وقيل: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى تهامة سرية سبعة وعشرين رجلا عليهم المنذر بن عمرو الساعدي فقتلهم بنو عامر وعليهم عامر بن الطفيل إلا ثلاثة نفر نجوا فلقوا رجلين من بني سليم قرب المدينة فاعتزيا لهم إلى بني عامر لأنهم أعز