رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البعث إلى الحارث فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبله الحارث وقد فصل عن المدينة قالوا: هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله قال: لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني فلما دخل الحارث على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني ولا أقبلت إلا حين احتبس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خشية أن يكون سخطة من الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ إلى قوله سبحانه: حَكِيمٌ
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبي الله إن بني فلان حيا من أحياء العرب وكان في نفسه عليهم شيء وكان حديث عهد بالإسلام قد تركوا الصلاة وارتدوا وكفروا بالله تعالى فلم يعجل رسول الله عليه الصلاة والسلام ودعا خالد بن الوليد فبعثه إليهم ثم قال: ارمقهم عند الصلوات فإن كان القوم قد تركوا الصلاة فشأنك بهم وإلا فلا تعجل عليهم فدنا منهم عند غروب الشمس فكمن حتى يسمع الصلاة فرمقهم فإذا هو بالمؤذن قد قام عند غروب الشمس فإذن ثم أقام الصلاة فصلوا صلاة المغرب فقال خالد: ما أراهم إلا يصلون فلعلهم تركوا صلاة غير هذه ثم كمن حتى إذا جنح الليل وغاب الشفق أذن مؤذنهم فصلوا فقال: لعلهم تركوا صلاة أخرى فكمن حتى إذا كان في جوف الليل تقدم حتى أطل الخيل بدورهم فإذا القوم تعلموا شيئا من القرآن فهم يتهجدون به من الليل ويقرؤونه ثم أتاهم عند الصبح فإذا المؤذن حين طلع الفجر قد أذن وأقام فقاموا وصلوا فلما انصرفوا وأضاء لهم النهار إذا هم بنواصي الخيل في ديارهم فقالوا: ما هذا؟ قالوا: خالد بن الوليد قالوا: يا خالد ما شأنك؟ قال: أنتم والله شأني أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقيل له: إنكم تركتم الصلاة وكفرتم بالله تعالى فجثوا يبكون فقالوا: نعوذ بالله تعالى أن نكفر أبدا فصرف الخيل وردها عنهم حتى أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية
قال الحسن: فو الله لئن كانت نزلت في هؤلاء القوم خاصة إنها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء، والرواية السابقة أصح وأشهر، وكلام صاحب الكشف مصرح بأن بعث خالد بن الوليد كان في قضية الوليد بن عقبة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام بعثه إلى أولئك الحي من خزاعة بعد رجوع الوليد وقوله ما قال، والقائل بذلك قال: إنهم سلموا إليه الصدقات فرجع، والخطاب بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شامل للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين من أمته الكاملين منهم محاسن آداب وغيرهم، وتخصيص الخطاب بحسب ما يقع من الأمر بعده إذ يليق بحال بعضهم لا يخرجه عن العموم لوجوده فيما بينهم فلا تغفل، والفاسق الخارج عن حجر الشرع من قولهم: فسق الرطب إذا خرج عن قشرة، قال الراغب: والفسق أعم من الكفر ويقع بالقليل من الذنوب والكثير لكن تعورف فيما كانت كثيرة، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضها، وإذا قيل للكافر الأصلي فاسق فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة.
ووصف الإنسان به- على ما قال ابن الأعرابي- لم يسمع في كلام العرب، والظاهر أن المراد به هنا المسلم المخل بشيء من أحكام الشرع أو المروة بناء على مقابلته بالعدل وقد اعتبر في العدالة عدم الإخلال بالمروءة، والمشهور الاقتصار في تعريفه على الإخلال بشيء من أحكام الشرع فلا تغفل، والتبين طلب البيان والتعرف وقريب منه التثبت كما في قراءة ابن مسعود وحمزة، والكسائي «فتثبتوا» وهو طلب الثبات والتأني حتى يتضح الحال
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال يوم نزلت الآية: التثبت من الله تعالى والعجلة من الشيطان»
وتنكير فاسِقٌ للتعميم لأنه نكرة في سياق الشرط وهي كالنكرة في سياق النفي تفيد العموم كما قرر في الأصول وكذا نبأ، وهو- كما في القاموس- الخبر، وقال الراغب: لا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يكون ذا فائدة عظيمة


الصفحة التالية
Icon