ملونة به ويكون ذلك كرؤية قعر البحر أخضر من وراء مائه ونحو ذلك مما يرى بواسطة شيء على لون وهو في نفسه على غير ذلك اللون، بل قيل: إن رؤية السماء مع وجود كرة البخار على نحو رؤية الأجرام المضيئة كالقمر وغيره.
وأنت تعلم أن الأصحاب مع الظواهر حتى يظهر دليل على امتناع ما يدل عليه وحينئذ يؤولونها، وأن التزام التطبيق بين ما نطقت به الشريعة وما قاله الفلاسفة مع إكذاب بعضه بعضا أصعب من المشي على الماء أو العروج إلى السماء، وأنا أقول: لا بأس بتأويل ظاهر تأويلا قريبا لشيء من الفلسفة إذا تضمن مصلحة شرعية ولم يستلزم مفسدة دينية، وأرى الإنصاف من الدين، ورد القول احتقارا لقائله غير لائق بالعلماء المحققين، هذا وحمل بعض السَّماءِ هاهنا على جنس الأجرام العلوية وهو كما ترى، والظاهر أنها الجرم المخصوص وأنها السماء الدنيا أي أفلم ينظروا إلى السماء الدنيا كَيْفَ بَنَيْناها أحكمناها ورفعناها بغير عمد وَزَيَّنَّاها للناظرين بالكواكب المرتبة على أبدع نظام وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ أي من فتوق وشقوق، والمراد سلامتها من كل عيب وخلل فلا ينافي القول بأن لها أبوابا. وزعم بعضهم أن المراد متلاصقة الطباق وهو ينافي ما ورد في الحديث من أن بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، ولعل تأخير هذا لمراعاة الفواصل.
وقيل هاهنا أَفَلَمْ يَنْظُرُوا بالفاء وفي موضع آخر أَوَلَمْ يَنْظُرُوا [الأعراف: ١٨٥] بالواو لسبق إنكار الرجع فناسب التعقيب بما يشعر بالاستدلال عليه، وجيء بالنظر دون الرؤية كما في الأحقاف استبعادا لاستبعادهم فكأنه قيل:
النظر كاف في حصول العلم بإمكان الرجع ولا حاجة إلى الرؤية قاله الإمام، واحتج بقوله سبحانه ما لَها مِنْ فُرُوجٍ للفلاسفة على امتناع الخرق، وأنت تعلم أن نفي الشيء لا يدل على امتناعه، على أنك قد سمعت المراد بذلك، ولا يضر كونه ليس معنى حقيقيا لشيوعه وَالْأَرْضَ مَدَدْناها بسطناها وهو لا ينافي كريتها التامة أو الناقصة من جهة القطبين لمكان العظم وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا ثوابت تمنعها من الميد كما يدل عليه قوله تعالى في آية أخرى:
رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل: ١٥، لقمان: ١٠] وهو ظاهر في عدم حركة الأرض، وخالف في ذلك بعض الفلاسفة المتقدمين وكل الفلاسفة الموجودين اليوم، ووافقهم بعض المغاربة من المسلمين فزعموا أنها تتحرك بالحركة اليومية بما فيها من العناصر وأبطلوا أدلة المتقدمين العقلية على عدم حركتها، وهل يكفر القائل بذلك الذي يغلب على الظن لا وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف بَهِيجٍ حسن يبهج ويسر من نظر إليه تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ راجع إلى ربه، وهو مجاز عن التفكر في بدائع صنعه سبحانه بتنزيل التفكر في المصنوعات منزلة الرجوع إلى صانعها، وتَبْصِرَةً وَذِكْرى علتان للأفعال السابقة معنى وان انتصبا بالفعل الأخير أو لفعل مقدر بطريق الاستئناف أي فعلنا ما فعلنا تبصيرا وتذكيرا، وقال أبو حيان: منصوبان على المصدرية لفعل مقدر من لفظهما أي بصرنا وذكرنا والأول أولى.
وقرأ زيد بن علي «تبصرة وذكرى» بالرفع على معنى خلقهما تبصرة وذكرى، وقوله تعالى: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً أي كثير المنافع شروع في بيان كيفية ما ذكر من إنبات كل زوج بهيج، وهو عطف على أَنْبَتْنا وما بينهما على الوجهين الأخيرين اعتراض مقرر لما قبله ومنبه على ما بعده فَأَنْبَتْنا بِهِ أي بذلك الماء جَنَّاتٍ كثيرة كما يقتضيه المقام أي أشجارا ذات ثمار وَحَبَّ الْحَصِيدِ أي حب الزرع الذي من شأنه أن يحصد من البر والشعير وأمثالهما، فالإضافة لما بينهما من الملابسة، والْحَصِيدِ بمعنى المحصود صفة لموصوف مقدر كما أشرنا إليه فليس من قبيل مسجد الجامع ولا من مجاز الأول كما توهم، وتخصيص إنبات حبه بالذكر لأنه المقصود بالذات وَالنَّخْلَ عطف على جَنَّاتٍ وهي اسم جنس تؤنث وتذكر وتجميع، وتخصيصها بالذكر مع اندراجها في


الصفحة التالية
Icon