أن المراد بمن ينشأ في الحلية الأصنام قال: وكانوا يتخذون كثيرا منها من الذهب والفضة ويجعلون الحلي على كثير منها، وتعقب بأنه يبعد هذا القول قوله تعالى: وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ إلا إن أريد بنفي الإبانة نفي الخصام أي لا يكون منها خصام فإبانة كقوله:
على لا حب لا يهتدى بمناره وعندي أن هذا القول بعيد في نفسه وأن الكلام أعني قوله سبحانه: أَمِ اتَّخَذَ إلى هنا وارد لمزيد الإنكار في أنهم قوم من عادتهم المناقضة ورمي القول من غير علم، وفي المجيء بأم المنقطعة وما في ضمنها من الإضراب دليل على أن معتمد الكلام إثبات جهلهم ومناقضتهم لا إثبات كفرهم لكنه يفهم منه كما سمعت وتسمع إن شاء الله تعالى، وقرأ الجحدري في رواية «ينشأ» مبنيا للمفعول مخففا، وقرأ الحسن في رواية أيضا «يناشأ» على وزن يفاعل مبنيا للمفعول. والمناشاة بمعنى الإنشاء كالمغالاة بمعنى الإغلاء، وقرأ الجمهور «ينشأ» مبنيا للفاعل، والآية ظاهرة في أن النشوء في الزينة والنعومة من المعايب والمذام وأنه من صفات ربات الحجال فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربأ بنفسه عنه ويعيش كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: اخشوشنوا في اللباس واخشوشنوا في الطعام وتمعددوا وإن أراد أن يزين نفسه زينها من باطن بلباس التقوى، وقوله تعالى:
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أي سموا وقالوا: إنهم إناث، قال الزجاج: الجعل في مثله بمعنى القول والحكم على الشيء تقول: جعلت زيدا أعلم الناس أي وصفته بذلك وحكمت به، واختار أبو حيان أن المعنى صيروهم في اعتقادهم إناثا اعتراض وارد لإثبات مناقضتهم أيضا وادعاء ما لا علم لهم به المؤيد لجعله معتمد الكلام على ما سبق آنفا فإنهم أنثوهم في هذا المعتقد من غير استناد إلى علم فارشد إلى أن ما هم عليه من إثبات الولد مثل ما هم عليه من تأنيث الملائكة عليهم السلام في أنهما سخف وجهل كانا كفرين أولا، نعم هما في نفس الأمر كفران، أما الأول فظاهر. وأما الثاني فللاستخفاف برسله سبحانه أعني الملائكة وجعلهم أنقص العباد رأيا وأخسهم صنفا وهم العباد المكرمون المبرءون من الذكورة والأنوثة فإنهما من عوارض الحيوان المتغذي المحتاج إلى بقاء نوعه لعدم جريان حكمة الله تعالى ببقاء شخصه وليس ذلك عطفا على قوله سبحانه: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً لما علمت من أن الجملة في موضع الحال من فاعل لَيَقُولُنَّ ولا يحسن بحسب الظاهر أن يقال. لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ وقد جعلوا الملائكة إناثا، وقرىء «عبيد» جمع عبد وكذا «عباد» وقيل: عباد جمع عابد كصائم وصيام وقائم وقيام، وقرأ عمر بن الخطاب والحسن وأبو رجاء وقتادة وأبو جعفر وشيبة والأعرج والابنان ونافع «عند الرحمن» ظرفا وهو أدل على رفع المنزلة وقرب المكانة، والكلام على الاستعارة في المشهور لاستحالة العندية المكانية في حقه سبحانه، وقرأ أبي عبد الرحمن بالباء مفرد عباد، والمعنى على الجمع بإرادة الجنس.
وقرأ الأعمش «عباد» بالجمع والنصب حكاها ابن خالويه وقال: هي في مصحف ابن مسعود كذلك، وخرج أبو حيان النصب على إضمار فعل أي الذين هم خلقوا عباد الرحمن، وقرأ زيد بن علي «أنثا» بضمتين ككتب جمع إناثا فهو جمع الجمع، وعلى جميع القراءات الحصر إذا سلّم إضافي فلا يتم الاستدلال به على أفضلية الملك على البشر.
أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ أي أحضروا خلق الله تعالى إياهم فشاهدوهم إناثا حتى يحكموه بأنوثتهم فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة، وهذا كقوله تعالى: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ [الصافات: ١٥٠] وفيه تجهيل لهم وتهكم بهم، وإنما لم يتعرض لنفي الدلائل النقلية لأنها في مثل هذا المطلب مفرعة على القول بالنبوة وهم الكفرة الذين لا يقولون بها ولنفي الدلائل العقلية لظهور انتفائها والنفي المذكور أظهر في التهكم فافهم، وقرأ نافع «أأشهدوا» بهمزة


الصفحة التالية
Icon