خلقكما من سوابغ النعم رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ خبر مبتدأ محذوف أي هو رب إلخ، أو الذي فعل ما ذكر من الأفاعيل البديعة- رب مشرقي الشمس صيفا وشتاء ومغربيها- كذلك على ما أخرجه جماعة عن ابن عباس وروي عن مجاهد وقتادة وعكرمة أن الْمَشْرِقَيْنِ مشرقا الشتاء ومشرق الصيف، والْمَغْرِبَيْنِ مغرب الشتاء ومغرب الصيف بدون ذكر الشمس، وقيل: المشرقان مشرقا الشمس والقمر، والمغربان مغرباهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن الْمَشْرِقَيْنِ مشرق الفجر ومشرق الشفق، والْمَغْرِبَيْنِ مغرب الشمس ومغرب الشفق، وحكى أبو حيان في المغربين نحو هذا، وفي المشرقين أنهما مطلع الفجر ومطلع الشمس والمعول ما عليه الأكثرون من مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، ومن قضية ذلك أن يكون سبحانه رب ما بينهما من الموجودات، وقيل: رَبُّ مبتدأ والخبر قوله تعالى: مَرَجَ إلخ، وليس بذاك.
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة «ربّ» بالجر على أنه بدل من ربكما فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما في ذلك من فوائد لا تحصى كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل في وقته.
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي أرسلهما وأجراهما من- مرجت- الدابة- في المرعى- أرسلتها فيه، والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب يَلْتَقِيانِ أي يتجاوران وتتماس سطوحهما لا فصل بينهما في مرأى العين، وقيل:
أرسل بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان ينشعبان منه، وروي هذا عن قتادة لكنه أورد عليه أنه لا يوافق قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ [الفرقان: ٥٣] والقرآن يفسر بعضه بعضا، وعليه قيل: جملة يَلْتَقِيانِ حال مقدرة إن كان المراد- إرسالهما إلى المحيط، أو المعنى اتحاد أصليهما إن كان المراد إرسالهما إليه بَيْنَهُما بَرْزَخٌ أي حاجز من قدرة الله تعالى، أو من أجرام الأرض كما قال قتادة لا يَبْغِيانِ أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية بالكلية بناء على الوجه الأول فيما سبق، أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما بناء على الوجه الثاني، وروي هذا عن قتادة أيضا، وفي معناه ما أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن لا يَبْغِيانِ عليكم فيغرقانكم، وقيل: المعنى لا يطلبان حالا غير الحال التي خلقا عليها وسخرا لها فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما لكما في ذلك من المنافع
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ صغار الدر وَالْمَرْجانُ كباره كما أخرج ذلك عبد بن حميد وابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه
ومجاهد، وأخرجه عبد عن الربيع وجماعة منهم المذكوران وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس، وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: اللُّؤْلُؤُ ما عظم منه وَالْمَرْجانُ اللؤلؤ الصغار.
وأخرج هو وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة نحوه، وكذا أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن مجاهد، وأظن أنه إن اعتبر في اللؤلؤ معنى التلألؤ واللمعان وفي المرجان معنى المرج والاختلاط فالأوفق لذلك ما قيل ثانيا فيهما. وأخرج عبد الرزاق الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبري عن ابن مسعود أنه قال:- المرجان- الخرز الأحمر أعني البسذ وهو المشهور المتعارف، واللُّؤْلُؤُ عليه شامل للكبار والصغار. ثم إن اللؤلؤ بناء غريب قيل: لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة هو، والجؤجؤ الصدر وقرية بالبحرين، والدؤدؤ آخر الشهر أو ليلة خمس وست وسبع وعشرين أو ثمان وتسع وعشرين أو ثلاث ليال من آخره، والبؤبؤ بالباء الموحدة الأصل والسيد الظريف ورأس المكحلة وإنسان العين ووسط الشيء، واليؤيؤ بالياء آخر الحروف طائر كالباشق، ورأيت في كتب اللغة على هذا البناء غيرها وهو الضؤضؤ الأضل للطائر. والنؤنؤ بالنون المكثر تقليب الحدقة والعاجز الجبان، ومن ذلك شؤشؤ دعاء الحمار إلى الماء وزجر الغنم والحمار للمضي. أو هو دعاء للغنم لتأكل، أو تشرب وأما


الصفحة التالية
Icon