جاوزت حدّ الحسبان فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما في ذلك من الزينة والمنافع الجليلة فقد ذكر الأطباء أن اللُّؤْلُؤُ يمنع الخفقان والبحر وضعف الكبد والكلى والحصى وحرقة البول والسدد واليرقان وأمراض القلب والسموم والوسواس والجنون والتوحش والربو شربا والجذام والبرص والبهق والآثار مطلقا بالطلي إلى غير ذلك، وأن المرجان أعني بالبسذ يفرح ويزيل فساد الشهوة ولو تعليقا ونفث الدم والطحال شربا والدمعة والبياض والسلاق والجرب كحلا إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتبهم وَلَهُ الْجَوارِ السفن جمع جارية وخصها سبحانه بأنها له وهو تعالى له ملك السماوات والأرض وما فيهن للإشارة إلى أن كونهم هم منشئيها لا يخرجها من ملكه عز وجل حيث كان تمام منفعتها إنما هو منه عز وجل، وقرأ عبد الله والحسن وعبد الوارث عن أبي عمرو «الجوار» بإظهار الرفع على الراء لأن المحذوف لما تناسوه أعطوا ما قبل الآخر حكمه كما في قوله:
لها ثنايا أربع حسان... وأربع فكلها ثمان
الْمُنْشَآتُ أي المرفوعات الشرع- كما قال مجاهد- من أنشأه بمعنى رفعه، وقيل: المرفوعات على الماء وليس بذاك، وكذا ما قيل المصنوعات، وقرأ الأعمش وحمزة وزيد بن علي وطلحة وأبو بكر بخلاف عنه «المنشآت» بكسر الشين أي الرافعات الشرع، أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن، أو اللاتي ينشئن السير إقبالا وإدبار، وفي الكل مجاز، وشدد الشين ابن أبي عبلة، وقرأ الحسن «المنشآت» وحد الصفة ودل على الجمع الموصوف كقوله تعالى: أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ [البقرة: ٢٥، آل عمران: ١٥، النساء: ٥٧] وقلب الهمزة ألفا على حد قوله:
إن السباع لتهدأ في مرابضها يريد لتهدأ والتاء لتأنيث الصفة كتبت تاء على لفظها في الأصل فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ كالجبال الشاهقة جمع علم وهو الجبل الطويل فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها وترتيبها غيره سبحانه وتعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها أي على الأرض التي وضعت للأنام من الحيوانات والمركبات ومَنْ للتغليب أو للثقلين فانٍ هالك وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ أي ذاته عز وجل، والمراد هو سبحانه وتعالى، فالإضافة بيانية وحقيقة الوجه في الشاهد الجارحة واستعماله في الذات مجاز مرسل كاستعمال الأيدي في الأنفس، وهو مجاز شائع، وقيل: أصله الجهة واستعماله في الذات من باب الكناية وتفسيره بالذات هنا مبني على مذهب الخلف القائلين بالتأويل، وتعيين المراد في مثل ذلك دون مذهب السلف، وقد قررناه لك غير مرة فتذكره وعض عليه بالنواجذ.
والظاهر أن الخطاب في- ربك- للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه تشريف عظيم له عليه الصلاة والسلام، وقيل: هو للصالح له لعظم الأمر وفخامته، وفي الآية عند المؤولين كلام كثير منه ما سمعت، ومنه ما قيل:
الوجه بمعنى القصد ويراد به المقصود، أي ويبقى ما يقصد به ربك عز وجل من الأعمال، وحمل كلام من فسره بالعمل الصالح على ذلك وفيه ما فيه، وأقرب منه ما قيل: وجهه تعالى الجهة التي أمرنا عز وجل بالتوجه إليها والتقرب بها إليه سبحانه، ومرجع ذلك العمل الصالح أيضا والله جل شأنه يبقيه للعبد إلى أن يجازيه عليه ولذا وصف بالبقاء أو لأنه بالقبول صار غير قابل للفناء لما أن الجزاء عليه قام مقامه وهو باق، ولا يخفى أن كلا القولين غير مناسب للتعليم في كُلُّ مَنْ عَلَيْها وقيل: وجهه سبحانه الجهة التي يليها الحق أي يتولاها بفضله ويفيضها على الشيء من عنده أي إن ذلك باق دون الشيء في حدّ ذاته فإنه فان في كل وقت، وقيل: المراد بوجهه سبحانه وجهه الممكن وهي جهة حيثية ارتباطه وانتسابه إليه تعالى، والاضافة لأدنى ملابسة فالممكن في حدّ ذاته أي إذا اعتبر مستقلا غير مرتبط


الصفحة التالية
Icon