نبعث- وهو المرجع للإنكار وتقييده بالوقت المذكور ليس لتخصيص إنكاره به فإنهم منكرون للإحياء بعد الموت وإن كان البدن على حاله لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه إليه في حالة منافية له بالكلية وهذا كالاستدلال على ما يزعمونه، وتكرير الهمزة لتأكيد النكير وتحلية الجملة بأن لتأكيد الإنكار لا لإنكار التأكيد، وقوله سبحانه: أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ عطف على محل- إن- واسمها أو على الضمير المستتر في مبعوثون وحسن للفصل بالهمزة وإن كانت حرفا واحدا- كما قال الزمخشري- ولا يضر عمل ما قبل هذه الهمزة في المعطوف بعدها لأنها مكررة للتأكيد وقد زحلقت عن مكانها، وقولهم: الحرف إذا كرر للتأكيد فلا بد أن يعاد معه ما اتصل به أولا أو ضمير لا يسلم اطراده لورود:
«ولا- للما- بهم أبدا دواء» وأمثاله، وجوز أن يكون آباؤُنَا مبتدأ وخبره محذوف دل عليه ما قبل أي مبعوثون، والجملة عطف على الجملة السابقة وهو تكلف يغني عنه العطف المذكور والمعنى- أيبعث أيضا آباؤنا- على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل، وقرأ قالون وابن عامر «أو آباؤنا» بإسكان الواو وعلى هذه القراءة لا يعطف على الضمير إذ لا فاصل.
قُلْ ردا لإنكارهم وتحقيقا للحق إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ من الأمم الذين من جملتهم أنتم وآباؤكم، وتقديم الأولين للمبالغة في الرد حيث كان إنكارهم لبعث آبائهم أشد من إنكارهم لبعثهم مع مراعاة الترتيب الوجودي لَمَجْمُوعُونَ بعد البعث، وقرىء «لمجمعون» إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وهو يوم القيامة ومعنى كونه معلوما كونه معينا عند الله عز وجل، والميقات ما وقت به الشيء أي حد، ومنه مواقيت الإحرام وهي الحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرما، وإضافته إلى يَوْمٍ بيانية كما في خاتم فضة، وكون يوم القيامة ميقاتا لأنه وقتت به الدنيا، وإِلى للغاية والانتهاء، وقيل: والمعنى لَمَجْمُوعُونَ منتهين إلى ذلك اليوم، وقيل: ضمن معنى السوق فلذا تعدى بها ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ عطف على إِنَّ الْأَوَّلِينَ داخل في حيز القول، وثُمَّ للتراخي الزماني أو الرتبي الْمُكَذِّبُونَ بالبعث، أو بما يعمه وغيره ويدخل هو دخولا أوليا للسياق على ما قيل، والخطاب لأهل مكة وأضرابهم لَآكِلُونَ بعد البعث والجمع ودخول جهنم مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ مِنْ الأولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الشجر وتفسيره أي مبتدئون للأكل من شجر هو زقوم، وجوز كون الأولى تبعيضية ومِنْ الثانية على حالها، وجوز كون مِنْ زَقُّومٍ بدلا من قوله تعالى: مِنْ شَجَرٍ فمن تحتمل الوجهين، وقيل: الأولى زائدة، وقرأ عبد الله من شجرة فوجه التأنيث ظاهر في قوله تعالى: فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ أي بطونكم من شدة الجوع فإنه الذي اضطرهم وقسرهم على أكل مثلها مما لا يؤكل، وأما على قراءة الجمهور فوجهه الحمل على المعنى لأنه بمعنى الشجرة، أو الأشجار إذا نظر لصدقه على المتعدد، وأما التذكير على هذه القراءة في قوله سبحانه: فَشارِبُونَ عَلَيْهِ أي عقيب ذلك بلا ريث مِنَ الْحَمِيمِ أي الماء الحار في الغاية لغلبة العطش فظاهر لا يحتاج إلى تأويل، وقال بعضهم: التأنيث أولا باعتبار المعنى والتذكير ثانيا باعتبار اللفظ، فقيل عليه: إن فيه اعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى على خلاف المتعارف فلو أعيد الضمير المذكور على الشجر باعتبار كونه مأكولا ليكون التذكير والتأنيث باعتبار المعنى كان أولى وفيه بحث، ووجهه على القراءة الثانية أن الضمير عائد على الزقوم أو على الشجر باعتبار أنها زقوم أو باعتبار أنها مأكول، وقيل: هو مطلقا عائد على الأكل، وتعقب بأنه بعيد لأن الشرب عليه لا على تناوله مع ما فيه من تفكيك الضمائر وكونه مجازا شائعا وغير ملبس لا يدفع البعد فتأمل.


الصفحة التالية
Icon