أصلحت أمرك لا يريد به أحدا بعينه، وإنما يريد أيها المسكين السامع وهو كما ترى، نعم احتمال عموم الخطاب مما لا ينكر لكن لا يتعين عليه هذا التقرير، ثم الظاهر أن المراد بذكر الرب أو ذكر اسمه سبحانه على ما تقرر سابقا ما هو المتبادر المعروف.
وفي الكشف إن المراد بذلك تلاوته صلى الله تعالى عليه وسلم للقرآن أو لهذه السورة الكريمة المتضمنة لإثبات البعث والجزاء ومراتب أهله لينطبق عليه قوله تعالى بعد: فَلا أُقْسِمُ وعلى الأول لا بد من إضمار- أي فسبح باسم ربك وامتثل ما أمرت به- فأقسم إنه لقرآن، والغرض تأكيد الأمر بالتسبيح، وأنا أقول يتأتى الانطباق على الظاهر أيضا سوى أنه يعتبر في الكلام إضمار ولا بأس بأن يقال: إنه تعالى لما ذكر ما ذكر من النعم الجليلة الداعية لتوحيده سبحانه ووصفه بما يليق به عز وجل قال سبحانه: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ أي فنزهه تعالى عما يقولون في وصفه سبحانه، وأقبل على إنذارهم بالقرآن والاحتجاج عليه به بعد الاحتجاج بما ذكرنا فأقسم إنه لقرآن كيت وكيت فلا في قوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ مزيدة للتأكيد مثلها في قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد: ٢٩] أو هي لام القسم أشبعت فتحتها فتولدت منها ألف نظير ما في قوله:
أعوذ بالله من العقراب واختاره أبو حيان ثم قال: وهو وإن كان قليلا فقد جاء نظيره في قوله تعالى: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ [إبراهيم: ٣٧] بياء بعد الهمزة وذلك في قراءة هشام.
ويؤيد قراءة الحسن وعيسى فلا قسم- وهو مبني على ما ذهب إليه تبعا لبعض النحويين من أن فعل الحال يجوز القسم عليه فيقال: والله تعالى ليخرج زيد وعليه قول الشاعر:
ليعلم ربي أن بيتي واسع وحينئذ لا يصح أن يقرن الفعل بالنون المؤكدة لأنها تخلصه للاستقبال وهو خلاف المراد، والذي اختاره ابن عصفور والبصريون أن فعل الحال كما هنا لا يجوز أن يقسم عليه ومتى أريد من الفعل الاستقبال لزمت فيه النون المؤكدة فقيل: لأقسمن وحذفها ضعيف جدا، ومن هنا خرجوا قراءة الحسن وعيسى على أن اللام لام الابتداء والمبتدأ محذوف لأنها لا تدخل على الفعل والتقدير فلأنا أقسم، وقيل: نحوه في قراءة الجمهور على أن الألف قد تولدت من الإشباع، وتعقب بأن المبتدأ إذ دخل عليه لام الابتداء يمتنع أو يقبح حذفه لأن دخولها لتأكيده وهو يقتضي الاعتناء به وحذفه يدل على خلافه، وقال سعيد بن جبير وبعض النحاة:- لا- نفي وردّ لما يقوله الكفار في القرآن من أنه سحر وشعر وكهانة كأنه قيل: فلا صحة لما يقولون فيه ثم استؤنف فقيل: أُقْسِمُ إلخ، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز لما فيه من حذف اسم- لا- وخبرها في غير جواب سؤال نحو- لا- في جواب هل من رجل في الدار، وقيل: الأولى فيما إذا قصد بلا نفي لمحذوف واستئناف لما بعدها في اللفظ الإتيان بالواو نحو- لا- وأطال الله تعالى بقاءك، وقال: بعضهم إن- لا- كثيرا ما يؤتى بها قبل القسم على نحو الاستفتاح كما في قوله:

لا وأبيك ابنة العامريّ لا يدّعي القوم أني أفرّ
وقال أبو مسلم وجمع: إن الكلام على ظاهره المتبادر منه، والمعنى لا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أي لا يحتاج إلى قسم ما فضلا عن أن هذا القسم العظيم، فقول مفتي الديار الرومية أنه يأباه تعيين المقسم به وتفخيمه ناشىء عن الغفلة على ما لا يخفى على فطن بِمَواقِعِ النُّجُومِ أي بمساقط كواكب السماء ومغاربها


الصفحة التالية
Icon