وبالإضافة إلى الوجود أول فمنه عز شأنه المبدأ أولا وإليه سبحانه والمرجع والمصير آخر انتهى.
والظاهر أن كونه تعالى أولا وآخرا بالنسبة إلى الموجودات أولى ولعل ما ذكره أوفق بمشرب القوم.
وَالظَّاهِرُ أي بوجوده لأن كل الموجودات بظهوره تعالى ظاهر وَالْباطِنُ بكنهه سبحانه فلا تحوم حوله العقول، وقال حجة الإسلام: هذان الوصفان من المضافات فلا يكون الشيء ظاهرا لشيء وباطنا له من وجه واحد بل يكون ظاهرا من وجه بالإضافة إلى إدراك وباطنا من وجه آخر فإن الظهور والبطون إنما يكون بالإضافة إلى الإدراكات والله تعالى باطن إن طلب من إدراك الحواس وخزانة الخيال ظاهر إن طلب من خزانة العقل بالاستدلال والريب من شدة الظهور وكل ما جاوز الحد انعكس إلى الضد، وإلى تفسير الباطن بغير المدرك بالحواس ذهب الزمخشري، ثم قال: إن الواو الأولى لعطف المفرد على المفرد فتفيد أنه تعالى الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية والأخيرة أيضا كذلك فتفيد أنه تعالى الجامع بين الظهور والخفاء، وأما الوسطى فلعطف المركب على المركب فتفيد أنه جل وعلا الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخريين فهو تعالى المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية وهو تعالى في جميعها ظاهر وباطن جامع للظهور بالأدلة والخفاء فلا يدرك بالحواس، وفي هذا حجة على من جوز إدراكه سبحانه في الآخرة بالحاسة أي وذلك لأنه تعالى ما من وقت يصح اتصافه بالأولية والآخرية إلا ويصح اتصافه بالظاهرية والباطنية معا، فإذا جوز إدراكه سبحانه بالحاسة في الآخرة فقد نفى كونه سبحانه باطنا وهو خلاف ما تدل عليه الآية، وأجاب عن ذلك صاحب الكشف فقال: إن تفسير الباطن بأنه غير مدرك بالحواس تفسير بحسب التشهي فإن بطونه تعالى عن إدراك العقول كبطونه عن إدراك الحواس لأن حقيقة الذات غير مدركة لا عقلا ولا حسا باتفاق بين المحققين من الطائفتين، والزمخشري ممن سلم فهو الظاهر بوجوده والباطن بكنهه وهو سبحانه الجامع بين الوصفين أزلا وأبدا، وهذا لا ينافي الرؤية لأنها لا تفيد ذلك عند مثبتها انتهى، وهو حسن فلا تغفل.
وعليه فالتذليل بقوله تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لئلا يتوهم أن بطونه تعالى عن الأشياء يستلزم بطونها عنه عز وجل كما في الشاهد، وقال الأزهري: قد يكون الظاهر والباطن بمعنى العلم لما ظهر وبطن وذلك أن من كان ظاهرا احتجب عنه الباطن ومن كان باطنا احتجب عنه الظاهر فإن أردت أن تصفه بالعلم قلت هو ظاهر باطن مثله قوله تعالى: لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ [النور: ٣٥] أي لا شرقية فقط ولا غربية فقط ولكنها شرقية غربية، وفي التذييل المذكور حينئذ خفاء، وقريب منه من وجه ما نقل أن الظاهر بمعنى العالي على كل شيء الغالب له من قوله ظهر عليهم إذا علاهم وغلبهم، والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه، وتعقب بفوات المطابقة بين الظاهر والباطن عليه وأن بطنه بمعنى علم باطنه غير ثابت في اللغة، لكن قيل في الآثار: ما ينصر تفسير الظاهر بما فسر.
أخرج مسلم والترمذي وابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي هريرة قال: «جاءت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تسأله خادما فقال لها: قولي اللهم رب السماوات السبع ورب العرش الكريم العظيم ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والفرقان فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر»
وقال الطيبي: المعنى بالظاهر في التفسير النبوي الغالب الذي يغلب ولا يغلب فيتصرف في المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء إذ ليس فوقه أحد يمنعه، وبالباطن من لا ملجأ ولا منجي دونه يلتجىء إليه ملتجىء، وبحث فيه بجواز أن يكون المراد أنت الظاهر فليس فوقك شيء في الظهور أي أنت أظهر