واعترض ما قالوه بأن ثُمَّ تدل على التراخي الزماني والإمساك المذكور معقب لا متراخ فلا يعطف- بثم- بل بالفاء، ورد بأن مدة الإمساك ممتدة، ومثله يجوز فيه العطف- بثم- والعطف بالفاء باعتبار ابتدائه وانتهائه، وعلى هذا لا حاجة إلى القول بأنها للدلالة على أن العود أشد تبعة وأقوى إثما من نفس الظهار حتى يقال عليه: إنه غير مسلم، ولا إلى قول الإمام أنه مشترك الإلزام بين الشافعية والحنفية القائلين: بأن العود استباحة الاستمتاع فيمنع أيضا لأن الاستباحة المذكورة عقب الظهار- قولا- نادرة فلا يتوجه ذلك على الحنفية.
واعترض أيضا بأن الظهار لم يوجب تحريم العقد حتى يكون العود إمساكها، ومن تعليل الشافعية السابق يعلم ما فيه، وفي التفريع لابن الجلاب المالكي أنه روي عن الامام مالك في المراد بالعود روايتان: إحداهما أنه العزم على إمساكها بعد الظهار منها، والرواية الأخرى أنه العزم على وطئها، ثم قال: ومن أصحابنا من قال: العود في إحدى الروايتين عن مالك هو الوطء نفسه، والصحيح عندي ما قدمته انتهى من مدونه.
وابن حجر نسب القول: بأنه العزم على الوطء إلى الإمام مالك والإمام أحمد، والقول: بأنه الوطء نفسه إلى الإمام أبي حنيفة، وذكر أنهما قولان للإمام الشافعي في القديم، وما حكاه عن الإمام أبي حنيفة لم يحكه عنه فيما نعلم أحد من أصحابه، وحكاه الزيلعي عن الامام مالك، ولم يحك عنه غيره، وحكاه أبو حيان في البحر عن الحسن وقتادة وطاوس والزهري وجماعة، وأفاد أنه إحدى روايتين عن مالك، ثانيتهما أنه العزم على الإمساك والوطء.
واعترض القول به ممن كان وكذا القول: بأنه العزم على الوطء بأن الآية لما نزلت، وأمر صلّى الله عليه وسلم المظاهر بالكفارة لم يسأله هل وطئ أو عزم على الوطء؟ والأصل عدم ذلك، والوقائع القولية كهذه يعممها الاحتمال، وأنها ناصة على وجوب الكفارة قبل الوطء فيكون العدو سابقا عليه، فكيف يكون هو الوطء؟! وأجاب القائل: بأنه العزم على الوطء عن ترك السؤال بأن ذلك لعلمه عليه الصلاة والسلام به من خولة، فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال: حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت: فيّ وفي أوس بن الصامت أنزل الله تعالى صدر سورة المجادلة كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت علي ظهر أمي، ثم رجع فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي قلت: كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله تعالى ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلم فينا، ثم جئت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فذكرت له ذلك فما برحت حتى نزل القرآن الخبر، فإن ظاهر قولها: فذكرت له ذلك أنها ذكرت كل ما وقع، ومنه طلب أوس وطأها المكنى عنه بيريدني عن نفسي، وذكر ذلك له عليه الصلاة والسلام أهم لها من ذكرها إياه ليوسف بن عبد الله بن سلام.
وأجيب من جهة القائل: بأنه الوطء عن الأخير بأن المراد من الآية عند ذلك القائل من قبل أن يباح التماس شرعا، والوطء أولا حرام موجب للتفكير- وهو كما ترى- ونقل عن الثوري ومجاهد أن معنى الآية والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول المنكر فقطعوه بالإسلام ثم يعودون لمثله فكفارة من عاد أن يحرر رقبة ثم يماس المظاهر منها فحملا العود والقول على حقيقتهما، ثم اعتبار العادة دلالة على أن العدول إلى المضارع في الآية للاستمرار فيما مضى وقتا فوقتا. وأخذ القطع من دلالة ثُمَّ على التراخي وليصح على وجه لا يلزم تعليق وجوب الكفارة بتكرار لفظ الظهار كما سيأتي إن شاء الله تعالى حكايته.
وتعقب ذلك بأن فيه أن الاستمرار ينافي القطع، ثم إنهم ما كانوا قطعوه بالإسلام لأن الشرع لم يكن ورد بعد بتحريمه، وظاهر النظم الجليل أنه مظاهرة بعد الإسلام لأنه مسوق لبيان حكمه فيه وعليه ينطبق سبب النزول وهو


الصفحة التالية
Icon