وفي التلويح لو ظاهر من امرأته مرتين أو ثلاثا في مجلس واحد أو مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة، وفي إطلاقه بحث، فقد ذكر بعضهم أنه لو قصد التأكيد في المجلس الواحد لم تتعدد، وفي شرح الوجيز للغزالي ما محصله: لو قال لأربع زوجات: أنتن علي كظهر أمي فإن كان دفعة واحدة ففيه قولان، وإن كان بأربع كلمات فأربع كفارات، ولو كررها- والمرأة واحدة- فإما أن يأتي بها متوالية أولا، فعلى الأول إن قصد التأكيد فواحدة وإلا ففيه قولان: القديم- وبه قال أحمد- واحدة كما لو كرر اليمين على شيء واحد، والقول الجديد التعدد- وبه قال أبو حنيفة ومالك- وإذا لم تتوال أو قصد بكل واحدة ظهارا أو أطلق ولم ينو التأكيد فكل مرة ظهار برأسه، وفيه قول: إنه لا يكون الثاني ظهارا إن لم يكفر عن الأول، وإن قال: أردت إعادة الأول ففيه اختلاف بناء على أن الغالب في الظهار أن معنى الطلاق أو اليمين لما فيه من الشبهين انتهى.
وظاهر بعض عبارات أصحابنا أنه لو قيد الظهار بعدد اعتبر ذلك العدد، ففي التتارخانية لو قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مائة مرة فعليه- أي إذا تزوجها- لكل كفارة، وتدل الآية على أن الكفارة المذكورة قبل المسيس فإن مس أثم ولا يعاود حتى يكفّر،
فقد روى أصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس أن رجلا- وهو سلمة ابن صخر الانصاري كما في حديث أبي داود والترمذي وغيرهما- ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: «ما حملك على ذلك؟! فقال: رأيت خلخالها في ضوء القمر- وفي لفظ بياض ساقها- قال عليه الصلاة والسلام: فاعتزلها حتى تكفّر»
ولفظ ابن ماجة «فضحك رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم وأمره أن لا يقربها حتى يكفّر»
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وفي كونه صحيحا ردّه المنذري في مختصره بأنه صححه الترمذي ورجاله ثقات مشهور سماع بعضهم من بعض.
وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن ابن إسحاق بالسند إلى سلمه المذكور عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال في المظاهر يواقع قبل أن يكفر: «كفارة واحدة تلزمه
، ويردّ به على مجاهد في قوله: يلزمه كفارة أخرى، ونقل هذا عن عمرو بن العاص، وقبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة، وعلى من قال تلزمه ثلاث كفارات، ونقل ذلك عن الحسن والنخعي، وبه، وبما تقدم يردّ على ما قيل: من أنه تسقط الكفارة الواجبة عليه ولا يلزمه شيء ولا ترتفع حرمة المسيس إلا بها لا بملك ولا بزوج ثان حتى لو طلقها من بعد الظهار ثلاثا فعادت إليه من بعد زوج آخر أو كانت أمة فملكها بعد ما ظاهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر، وهو واجب على التراخي- على الصحيح- لكون الأمر الدالة عليه الآية مطلقا حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان، ويكون مؤديا لا قاضيا، ويتعين في آخر عمره، ويأثم بموته قبل الأداء، ولا تؤخذ من تركته إن لم يوص ولو تبرع الورثة في الاعتاق، وكذا في الصوم لا يجوز- كذا في البدائع- فإن أوصى كان من الثلث، وفي التاتارخانية لو كان مريد التكفير مريضا فأعتق عبده عن كفارته وهو لا يخرج من ثلث ماله فمات من ذلك المرض لا يجوز عن كفارته وإن أجازت الورثة، ولو أنه برىء من مرضه جاز، وللمرأة مطالبته بالوطء والتكفير وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفّر، وعلى القاضي أن يجبره على التكفير دفعا للضرر عنها بحبس فإن أبى ضربه ولو قال: قد كفرت صدّق ما لم يكن معروفا عند الناس بالكذب.
هذا وبقيت مسائل أخر مذكورة في كتب الفقه ذلِكُمْ الاشارة إلى الحكم بالكفارة والخطاب للمؤمنين الموجودين عند النزول أو لهم ولغيرهم من الأمة تُوعَظُونَ بِهِ أي تزجرون به عن ارتكاب المنكر، فإن الغرامات مزاجر عن تعاطي الجنايات، والمراد بيان أن المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علم في استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة ما يوجبه كذا في الإرشاد، وهو


الصفحة التالية
Icon