لما فيه من إبطال ما أوجب الله تعالى، وأن لا يكون فيهما الأيام التي نهى عن الصوم فيها وهي يوما العيدين وأيام التشريق لأن الصوم فيها ناقص بسبب النهي عنه فلا ينوب عن الواجب الكامل.
وفي البحر: المسافر في رمضان له أن يصومه عن واجب آخر، وفي المريض روايتان، وصوم أيام نذر معينة في أثناء الشهرين بنية الكفارة لا يقطع التتابع، ومن قدر على الإعتاق في اليوم الأخير من الشهرين قبل غروب الشمس وجب عليه الإعتاق لأن المراد استمرار عدم الوجود إلى فراغ صومهما وكان صومه حينئذ تطوعا، والأفضل إتمام ذلك اليوم وإن أفطر لاقضاء عليه لأنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما خلافا لزفر.
وفي تحفة الشافعية لو بان بعد صومهما أن له مالا ورثه ولم يكن عالما به لم يعتدّ بصومه على الأوجه اعتبارا بما في نفس الأمر أي وهو واجد بذلك الاعتبار، وليس في بالي حكم ذلك عند أصحابنا، ومقتضى ظاهر ما ذكروه فيمن تيمم وفي رحله ماء وضعه غيره ولم يعلم به من صحة تيممه الاعتداد بالصوم هاهنا، وقد صرح الشافعية فيمن أدرج في رحله ماء ولم يقصر في طلبه أو كان بقربه بئر خفية الآثار بعدم بطلان تيممه فلينظر الفرق بين ما هنا وما هناك، ولعله التغليظ في أمر الكفارة دون التيمم فليراجع فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أي صيام شهرين متتابعين، وذلك بأن لم يستطع أصل الصيام أو بأن لم يستطع تتابعه لسبب من الأسباب ككبر أو مرض لا يرجى زواله كما قيده بذلك ابن همام. وغيره- وعليه أكثر الشافعية- وقال الأقلون منهم- كالإمام ومن تبعه- وصححه في الروضة: يعتبر دوامه في ظنه مدة شهرين بالعادة الغالبة في مثله أو بقول الأطباء، قال ابن حجر: ويظهر الاكتفاء بقول عدل منهم، وصرح الشافعية بأن من تلحقه بالصيام أو تتابعه مشقة شديدة لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم فيما يظهر غير مستطيع، وكذا من خاف زيادة مرض،
وفي حديث أوس على ما ذكر أبو حيان أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ فقال: والله يا رسول الله إني إذا لم آكل في اليوم والليلة ثلاث مرات كل بصري وخشيت أن تغشو عيني» الخبر
، وعدّوا من أسباب عدم الاستطاعة الشبق وهو شدة الغلمة.
واستدل له بما
أخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وغيرهم عن سلمة ابن صخر قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب منها في ليلي فأتتابع في ذلك ولا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها- إلى أن قال- فخرجت فأتيت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فأخبرته بخبري فقال: «أنت بذاك؟ قلت: أنا بذاك؟ فقال: أنت بذاك؟ قلت: أنا بذاك وها أنا ذا فامض في حكم الله تعالى فإني صابر لذلك قال: أعتق رقبة فضربت صفحة عنقي بيدي فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها، قال: فصم شهرين متتابعين، فقلت: وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام، قال: فأطعم ستين مسكينا» الحديث
فإنه أشار بقوله: «وهل أصابني» إلخ إلى شدة شبقه الذي لا يستطيع معه صيام شهرين متتابعين، وإنما لم يكن عذرا في صوم رمضان قال ابن حجر: لأنه لا بدل له، وذكر أن غلبة الجوع ليست عذرا ابتداء لفقده حينئذ فيلزمه الشروع في الصيام فإذا عجز عنه أفطر وانتقل عنه للإطعام بخلاف الشبق لوجوده عند الشروع فيدخل صاحبه في عموم قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ.
فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير، ودقيق كل كأصله، وكذا السويق، وذلك لأخبار ذكرها ابن الهمام في فتح القدير، والصاع أربعة أمداد.
وقال الشافعية: لكل مسكين مدّ لأنه صح في رواية، وصح في الأخرى صاع، وهي محمولة على بيان الجواز


الصفحة التالية
Icon