ومن الناس من قال: لم يكن هناك تأخير بيان وإنما اكتفى صلّى الله تعالى عليه وسلم بفهم الأعرابي عن التصريح له بالاستقرار، والأخبار في وقوع مثل ذلك للمظاهر مضطربة كما لا يخفى على من راجع الدر المنثور للسيوطي.
ومسائل الظهار كثيرة والمذاهب في ذلك مختلفة، ومن أراد كمال الاطلاع فليرجع إلى كتب الفروع، ولولا التأسي ببعض الأجلة لما ذكرنا شيئا منها، ومع هذا لا يخلو أكثره عن تعلق بتفسير الآية والله تعالى أعلم.
ذلِكَ إشارة إلى ما مر من البيان والتعليم، ومحله إما الرفع على الابتداء أو النصب بمضمر معلل بما بعده أي ذلك واقع أو فعلنا ذلك لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وتعلموا بشرائعه التي شرعها لكم وترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم وَتِلْكَ الأحكام المذكورة حُدُودُ اللَّهِ التي لا يجوز تعديها فالزموها وقفوا عندها وَلِلْكافِرِينَ أي الذين يتعدونها ولا يعملون بها عَذابٌ أَلِيمٌ على كفرهم وأطلق الكافر على متعدي الحدود تغليظا لزجره، ونظير ذلك قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ [آل عمران:
٩٧].
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي يعادونهما ويشاقونهما لأن كلا من المتعاديين في حدّ وجهة غير حدّ الآخر وجهته كما أن كلا منهما في عدوة وشق غير عدوة الآخر وشقه، وقيل: إطلاق ذلك على المتعاديين باعتبار استعمال الحديد لكثرة ما يقع بينهما في المحاربة بالحديد كالسيوف والنصال وغيرها والأول أظهر وفي ذكر المحادّة في أثناء ذكر حدود الله تعالى دون المعاداة والمشاقة حسن موقع جاوز الحد، وقال ناصر الدين البيضاوي: أو يضعون أو يختارون حدودا غير حدود الله تعالى ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلم ومناسبته لما قبله في غاية الظهور.
قال المولى شيخ الإسلام سعد الله جبلي: وعلى هذا ففيه وعيد عظيم للملوك وأمراء السوء الذين وضعوا أمورا خلاف ما حده الشرع وسموها اليسا والقانون (١)، والله تعالى المستعان على ما يصفون اه، وقال شهاب الدين الخفاجي بعد نقله: وقد صنف العارف بالله الشيخ بهاء الدين قدس الله تعالى روحه رسالة في كفر من يقول: يعمل بالقانون والشرع إذا قابل بينهما، وقد قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] وقد وصل الدين إلى مرتبة من الكمال لا يقبل التكميل، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، ولكن أين من يعقل؟! انتهى.
وليتني رأيت هذه الرسالة ووقفت على ما فيها فإن إطلاق القول بالكفر مشكل عندي فتأمل، ثم إنه لا شبهة في أنه لا بأس بالقوانين السياسية (٢) وإذا وقعت باتفاق ذوي الآراء من أهل الحل والعقد على وجه يحسن

(١) قوله: اليسا هو بياء مثناة تحتية وسين مهملة وضع قانون للمعاملة، ويقال: يسق لفظ غير عربي كذا قاله الشهاب، ورأيت في بعض كتب اللغة التركية أن يصاق بفتح الياء والصاد المهملة بعدها ألف بعدها قاف معناه المنع اه منه.
(٢) أرسل إلينا الفاضل الأديب الأستاذ الشيخ محمد بهجة الأثري مقالة تتعلق بالقوانين السياسية، وأخبرنا أنه وجدها بهامش نسخة الأصل المخطوطة بخط أحد تلاميذ المؤلف رحمه الله تعالى فوضعناها في مكانها إتماما للفائدة.
يقول محمد بهجة الأثري البغدادي:
قوله: ثم إنه لا شبهة في أنه لا بأس بالقوانين السياسية- إلى قوله- كما لا يخفى على العارف النبيه ليس للمؤلف وإنما وجدته


الصفحة التالية
Icon