للتوسعة على المقبلين فَانْشُزُوا فانهضوا ولا تتثبطوا، وأصله من النشز وهو المرتفع من الأرض فإن مريد التوسعة على المقبل يرتفع إلى فوق فيتسع الموضع، أو لأن النهوض نفسه ارتفاع قال الحسن وقتادة والضحاك: المعنى إذا دعيتم إلى قتال أو صلاة أو طاعة فأجيبوا، وقيل: إذا دعيتم إلى القيام عن مجلس النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فقوموا، وهذا لأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤثر أحيانا الانفراد في أمر الإسلام أو لأداء وظائف تخصه صلّى الله تعلى عليه وسلم لا تتأتى أو لا تكمل بدون الانفراد، وعمم الحكم فقيل: إذا قال صاحب مجلس لمن في مجلسه: قوموا ينبغي أن يجاب، وفعل ذلك لحاجة إذا لم يترتب عليه مفسدة أعظم منها مما لا نزاع في جوازه، نعم لا ينبغي لقادم أن يقيم أحدا ليجلس في مجلسه،
فقد أخرج مالك والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم قال: «لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ولكن تفسحوا وتوسعوا».
وقرأ الحسن والأعمش وطلحة وجمع من السبعة- انشزوا فانشزوا- بكسر الشين منهما.
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ جواب الأمر كأنه قيل: إن تنشزوا يرفع عز وجل المؤمنين منكم في الآخرة دعاء كان يستعمل تحية في الجاهلية، نعم تحيتهم به له عليه الصلاة والسلام على الوجه الذي قصدوه حرام بلا خلاف حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ عذابا يَصْلَوْنَها يدخلونها أو يقاسون حرها أو يصطلون بها.
فَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي جهنم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ في أنديتكم وفي خلواتكم.
فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ كما يفعله المنافقون، فالخطاب للخلّص تعريضا بالمنافقين، وجوز جعله لهم وسموا مؤمنين باعتبار ظاهر أحوالهم.
وقرأ الكوفيون والأعمش وأبو حيوة ورويس- فلا تنتجوا- مضارع انتجى، وقرأ ابن محيصن- فلا تناجوا- بإدغام التاء في التاء، وقرىء بحذف إحداهما وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى بما يتضمن خبر المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم وَاتَّقُوا فيما تأتون وما تذرون اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ وحده لا إلى غيره سبحانه استقلالا أو اشتراكا تُحْشَرُونَ فيجازيكم على ذلك إِنَّمَا النَّجْوى المعهودة التي هي التناجي بالإثم والعدوان والمعصية مِنَ الشَّيْطانِ لا من غيره باعتبار أنه هو المزين لها والحامل عليها، وقوله تعالى: لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا خبر آخر أي إنما هي ليحزن المؤمنين بتوهمهم أنها في نكبة أصابتهم، وقرىء «ليحزن» بفتح الياء والزاي- فالذين- فاعل وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ أي ليس الشيطان أو التناجي بضار المؤمنين شَيْئاً من الأشياء أو شيئا من الضرر إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي إلا بإرادته ومشيئته عز وجل، وذلك بأن يقضي سبحانه الموت أو الغلبة على أقاربهم وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ولا يبالوا بنجواهم.
وحاصله أن ما يتناجى المنافقون به مما يحزن المؤمنين إن وقع فبإرادة الله تعالى ومشيئته لا دخل لهم فيه فلا يكترث المؤمنون بتناجيهم وليتوكلوا على الله عز وجل ولا يحزنوا منه، فهذا الكلام لإزالة حزنهم، ومنه ضعف ما أشار إليه الزمخشري من جواز أن يرجع ضمير- ليس بضارهم- للحزن، وأجيب بأن المقصود يحصل عليه أيضا فإنه إذا قيل: إن هذا الحزن لا يضرهم إلا بإرادة الله تعالى اندفع حزنهم، هذا ومن الغريب ما قيل: إن الآية نازلة في المنامات التي يراها المؤمن في النوم تسوؤه ويحزن منها فكأنها نجوى يناجى بها، وهذا على ما فيه لا يناسب السباق والسياق كما لا يخفى، ثم إن التناجي بين المؤمنين قد يكون منهيا عنه،
فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه»
ومثل التناجي في ذلك أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث إن كان يحزنه ذلك، ولما نهى


الصفحة التالية
Icon