أوله خير أم آخره»
فمبالغة في خيريتهم كقول القائل في ثوب حسن البطانة: لا يدرى ظهارته خير أم بطانته ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من كونه عليه الصلاة والسلام رسولا في الأميين ومن بعدهم معلما مزكيا وما فيه من معنى البعد للتعظيم أي ذلك الفضل العظيم فَضْلُ اللَّهِ وإحسانه جل شأنه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ من عباده تفضلا، ولا يشاء سبحانه إيتاءه لأحد بعده صلّى الله تعالى عليه وسلم.
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي يستحقر دونه نعم الدنيا والآخرة مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ أي علموها وكلفوا العمل بما فيها، والتحميل في هذا شائع يلحق بالحقيقة، والمراد بهم اليهود ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها أي لم يعملوا بما في تضاعيفها التي من جملتها الآيات الناطقة بنبوة رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم.
كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً أي كتبا كبارا على ما يشعر به التنكير، وإيثار لفظ السفر وما فيه من معنى الكشف من العلم يتعب بحملها ولا ينتفع بها، ويَحْمِلُ إما حال من- الحمار- لكونه معرفة لفظا والعامل فيه معنى المثل، أو صفة له لأن تعريفه ذهني فهو معنى نكرة فيوصف بما توصف به على الأصح.
ونسب أبو حيان للمحققين تعين الحالية في مثل ذلك، ووجه ارتباط الآية بما قبلها تضمنها الإشارة إلى أن ذلك الرسول المبعوث قد بعثه الله تعالى بما نعته به في التوراة وعلى ألسنة أنبياء بني إسرائيل كأنه قيل: هو الذي بعث المبشر به في التوراة المنعوت فيها بالنبي الأمي المبعوث إلى أمة أميين، مثل من جاءه نعته فيها وعلمه ثم لم يؤمن به مثل الحمار، وفي الآية دليل على سوء حال العالم الذي لا يعمل بعلمه، وتخصيص الحمال بالتشبيه به لأنه كالعلم في الجهل، ومن ذلك قوله الشاعر:
ذوو أمل للأسفار لا علم عندهم | بجيدها إلا كعلم الأباعر |
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا | بأوساقه أو راح ما في الغرائر |
قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا أي تهودوا أي صاروا يهودا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ أي أحباء له سبحانه ولم يضف أولياء إليه تعالى كما في قوله سبحانه: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ قال الطيبي: ليؤذن بالفرق بين مدعي الولاية ومن يخصه عز وجل بها مِنْ دُونِ النَّاسِ حال من الضمير الراجع إلى اسم إِنْ أي متجاوزين عن الناس فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أي فتمنوا من الله تعالى أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن كنتم صادقين في زعمكم واثقين بأنه حق فتمنوا الموت فإن من