الإنسانية حسن لكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب فلانحطاط بعضها عن مراتب ما فوقها انحطاطا بينا وإضافتها إلى الموفى عليها لا تستملح وإلا فهي داخلة في حيز الحسن غير خارجة من حده ألا ترى أنك قد تعجب بصورة وتستملحها ولا ترى الدنيا بها ثم ترى أملح وأعلى في مراتب الحسن فينبو عن الأولى طرفك وتستثقل النظر إليها بعد افتتانك بها وتهالكك عليها، وقالت الحكماء: شيئان لا غاية لهما: الجمال والبيان.
وقرأ زيد بن علي وأبو رزين «صوركم» بكسر الصاد والقياس الضم كما في قراءة الجمهور.
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ في النشأة الأخرى لا إلى غيره استقلالا أو اشتراكا فاصرفوا ما خلق لكم فيما خلقه لئلا يمسخ ما يشاهد من حسنكم بالعذاب يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الأمور الكلية والجزئية والأحوال الجلية والخفية وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ أي ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الأمور والتصريح به مع اندراجه فيما قبله للاعتناء بشأنه لأنه الذي يدور عليه الجزاء، وقوله تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اعتراض تذييلي مقرر لما قبله من شمول علمه تعالى لسرهم وعلنهم أي هو عز وجل محيط بجميع المضرات المستكنة في صدور الناس بحيث لا تفارقها أصلا فكيف يخفى عليه تعالى ما يسرونه وما يعلنونه، وإظهار الجلالة للإشعار بعلة الحكم وتأكيد استقلال الجملة، قيل: وتقديم تقرير القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرته تعالى بالذات وعلى علمه سبحانه لما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الأنحاء.
وقرأ عبيد عن أبي عمرو وأبان عن عاصم- ما يسرون وما يعلنون- بياء الغيبة أَلَمْ يَأْتِكُمْ أي أيها الكفرة لدلالة ما بعد على تخصيص الخطاب بهم، وظاهر كلام بعض الأجلة أن المراد بهم أهل مكة فكأنه قيل: ألم يأتكم يا أهل مكة نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم من الأمم المصرة على الكفر فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أي ضرر كفرهم في الدنيا من غير مهلة، وأصل الوبال الثقل والشدة المترتبة على أمر من الأمور، ومنه الوبيل لطعام يثقل على المعدة، والوابل للمطر الثقيل القطار، واستعمل للضرر لأنه يثقل على الإنسان ثقلا معنويا، وعبر عن كفرهم بالأمر للإيذان بأنه أمر هائل وجناية عظيمة وَلَهُمْ في الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ لا يقادر قدره ذلِكَ أي ما ذكر من العذاب الذي ذاقوه في الدنيا وما سيذوقونه في الآخرة بِأَنَّهُ أي بسبب أن الشأن.
كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الظاهرة فَقالُوا عطف على كانَتْ.
أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا أي قال كل قوم من أولئك الأقوام الذين كفروا في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات منكرين لكون الرسول من جنس البشر، أو متعجبين من ذلك أبشر يهدينا كما قالت ثمود: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ [القمر: ٢٤]، وقد أجمل في الحكاية فأسند القول إلى جميع الأقوام، وأريد بالبشر الجنس، فوصف بالجمع كما أجمل الخطاب، والأمر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً [المؤمنون: ٥١] وارتفاع بَشَرٌ على الابتداء، وجملة يَهْدُونَنا هو الخبر عند الحوفي وابن عطية، والأحسن أن يكون مرفوعا على الفاعلية بفعل محذوف يفسره المذكور لأن همزة الاستفهام أميل إلى الفعل والمادة من باب الاشتغال فَكَفَرُوا بالرسل عليهم السلام وَتَوَلَّوْا عن التأمل فيما أتوا به من البينات، وعن الإيمان بهم وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أي أظهر سبحانه غناه عن إيمانهم وعن طاعتهم حيث أهلكهم وقطع دابرهم، ولولا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وقد استغنى الله تعالى عن كل شيء، والأول هو الوجه وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن العالمين فضلا عن إيمانهم وطاعتهم حَمِيدٌ يحمده كل مخلوق بلسان الحال الذي هو أفصح من لسان المقال، أو مستحق جل شأنه للحمد بذاته وإن لم يحمده سبحانه حامد زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا الزعم ادّعاء العلم، وأكثر ما يستعمل للادعاء الباطل.