من الغرم والغرامة وهو- كما قال الراغب- ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه، فالكلام بتقدير مضاف أي من التزام مغرم، وفسره الزمخشري بالتزام الإنسان ما ليس عليه فلا حاجة إلى تقدير- لكن الذي تقتضيه اللغة هو الأول- مُثْقَلُونَ أي محملون الثقل فلذلك لا يتبعونك أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ أي اللوح المحفوظ المثبت فيه الغيوب فَهُمْ يَكْتُبُونَ منه ويخبرون به الناس- قاله ابن عباس- وقال ابن عطية: أم عندهم علم الغيب فهم يثبتون ما يزعمون للناس شرعا، وذلك عبادة الأوثان وتسييب السوائب وغير ذلك من سيرهم، وقال قتادة: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فهم يعلمون متى يموت محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الذي يتربصون به، وفسر بعضهم يَكْتُبُونَ بيحكمون أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً بك وبشرعك وهو ما كان منهم في حقه صلّى الله عليه وسلم بدار الندوة مما هو معلوم من السير، وهذا من الإخبار بالغيب فإن قصة دار الندوة وقعت في وقت الهجرة وكان نزول السورة قبلها كما تدل عليه الآثار فَالَّذِينَ كَفَرُوا هم المذكورون المريدون كيده عليه الصلاة والسلام، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بما في حيز الصلة من الكفر وتعليل الحكم به، وجوز أن يراد جميع الكفرة وهم داخلون فيه دخولا أوليا هُمُ الْمَكِيدُونَ أي الذين يحيق بهم كيدهم ويعود عليهم وباله لا من أرادوا أن يكيدوه وكان وباله في حق أولئك قتلهم يوم بدر في السنة الخامسة عشر من النبوة قيل: ولذا وقعت كلمة أَمْ مكررة هنا خمس عشرة مرة للإشارة لما ذكر، ومثله على ما قال الشهاب: لا يستبعد من المعجزات القرآنية وإن كان الانتقال لمثله خفي ومناسبته أخفى، وجوز أن يكون المعنى هم المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يعينهم ويحرسهم من عذابه عز وجل.
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي عن إشراكهم على أن ما مصدرية، أو عن شركة الذي يشركونه على أنها موصولة وقبلها مضاف مقدر والعائد محذوف وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً قطعة فهو مفرد وقد قرىء في جميع القرآن كسفا وكسفا جمعا وإفرادا إلا هنا فإنه على الإفراد وحده، وتنوينه للتفخيم أي وإن يروا كسفا عظيما مِنَ السَّماءِ ساقِطاً لتعذيبهم يَقُولُوا من فرط طغيانهم وعنادهم سَحابٌ أي هو سحاب مَرْكُومٌ متراكم ملقى بعضه على بعض أي هم في الطغيان بحيث لو أسقطنا عليهم حسبما قالوا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا لقالوا هو سحاب متراكم يمطرنا ولم يصدقوا أنه كسف ساقط لعذابهم فَذَرْهُمْ فدعهم غير مكترث بهم وهو على ما في البحر أمر موادعة منسوخ بآية السيف حَتَّى يُلاقُوا وقرأ أبو حيوة يلقوا مضارع لقى يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ على البناء للمفعول وهي قراءة عاصم وابن عامر وزيد بن علي وأهل مكة في قول شبل بن عباد: من صعقته الصاعقة، أو من أصعقته، وقرأ الجمهور وأهل مكة في قول إسماعيل: يصعقون بفتح الياء والعين، والسلمي بضم الياء وكسر العين من أصعق رباعيا والمراد بذلك اليوم يوم بدر، وقيل: وقت النفخة الأولى فإنه يصعق فيه من في السماوات ومن في الأرض، وتعقب بأنه لا يصعق فيه إلا من كان حيا حينئذ وهؤلاء ليسوا كذلك وبأن قوله تعالى: يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً أي شيئا من الإغناء بدل من يومهم، ولا يخفى أن التعرّض لبيان عدم نفع كيدهم يستدعي استعمالهم له طمعا بالانتفاع به وليس ذلك إلا ما دبروه في أمره صلى الله تعالى عليه وسلم من الكيد الذي من جملته مناصبتهم يوم بدر، وأما النفخة الأولى فليست مما يجرى في مدافعته الكيد والحيل، وأجيب عن الأول بمنع اختصاص الصعق بالحي فالموتى أيضا يصعقون وهم داخلون في عموم «من» وإن لم يكن صعقهم مثل صعق الأحياء من كل وجه وهو خلاف الظاهر فيحتاج إلى نقل صحيح، عن الثاني بأن الكلام على نهج قوله:


الصفحة التالية
Icon