بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى أقسم سبحانه بجنس النجم المعروف على ما روي عن الحسن ومعمر بن المثنى، ومنه قوله:

فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها
ومعنى هَوى غرب، وقيل: طلع يقال هوى يهوي كرمى يرمي هويا بالفتح في السقوط والغروب لمشابهته له وهويا بالضم للعلو، والطلوع، وقيل: الهوى بالفتح للإصعاد والهوى بالضم للانحدار وقيل: الهوى بالفتح والضم للسقوط ويقال أهوى بمعنى هوى، وفرق بعض اللغويين بينهما بأن هوى إذا انقض لغير صيد، وأهوى إذا انقض له، وقال الحسن وأبو حمزة الثمالي: أقسم سبحانه بالنجوم إذا انتثرت في القيامة، وعن ابن عباس في رواية أقسم عز وجل بالنجوم إذا انقضت في إثر الشياطين، وقيل: المراد بالنجم معين فقال مجاهد وسفيان: هو الثريا فإن النجم صار علما بالغلبة لها،
ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إذا طلع النجم صباحا ارتفعت العاهة»
وقول العرب:- طلع النجم عشاء فابتغى الراعي كساء، طلع النجم غدية فابتغى الراعي كسية- وفسر هويها بسقوطها مع الفجر، وقيل: هو الشعرى المرادة بقوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى [النجم: ٤٩] والكهان يتكلمون على المغيبات عند طلوعها، وقيل: الزهرة وكانت تعبد، وقال ابن عباس ومجاهد والفراء ومنذر بن سعيد: النَّجْمِ المقدار النازل من القرآن على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وإِذا هَوى بمعنى إذا نزل عليه مع ملك الوحي جبريل عليه السلام،
وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: هو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهويه نزوله من السماء ليلة المعراج
، وجوز على هذا أن يراد بهويه صعوده وعروجه عليه الصلاة والسلام إلى منقطع الأين، وقيل: هو الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقيل: العلماء على إرادة الجنس، والمراد بهويهم قيل: عروجهم في معارج التوفيق إلى حظائر التحقيق. وقيل:
غوصهم في بحار الافكار لاستخراج درر الأسرار. وأظهر الأقوال القول بأن المراد بالنجم جنس النجم المعروف بأن أصله اسم جنس لكل كوكب، وعلى القول بالتعيين فالأظهر القول بأنه الثريا، ووراء هذين القولين القول بأن المراد به المقدار النازل من القرآن، وفي الإقسام بذلك على نزاهته عليه الصلاة والسلام عن شائبه الضلال والغواية من البراعة البديعة وحسن الموقع ما لا غاية وراءه، أما على الأولين فلأن النجم شأنه أن يهتدي به الساري إلى مسالك الدنيا كأنه قيل: وَالنَّجْمِ الذي تهتدي به السابلة إلى سواء السبيل ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ أي ما عدل عن طريق الحق الذي هو مسلك الآخرة فهو استعارة وتمثيل لكونه عليه الصلاة والسلام على الصواب في أقواله وأفعاله وَما غَوى أي وما اعتقد باطلا قط لأن الغي الجهل مع اعتقاد فاسد وهو خلاف الرشد فيكون عطف هذا على ما ضَلَّ من عطف الخاص على العام اعتناء بالاعتقاد، وإشارة إلى أنه المدار.
وأما على الثالث فلأنه تنويه بشأن القرآن وتنبيه على مناط اهتدائه عليه الصلاة والسلام ومدار رشاده كأنه قيل:
وما أنزل عليك من القرآن الذي هو علم في الهداية إلى مناهج الدين ومسالك الحق واليقين ما ضَلَّ عنها محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وَما غَوى فهو من باب:


الصفحة التالية
Icon